دخل
ميثاق الأمم المتحدة حيز النفاذ في 24/10/1945، وأصبح ذلك التاريخ يوماً للأمم
المتحدة يحتفل به العالم كل عام.
ندوتنا تعقد في 22/10/2012 لكي نعطي
وقفة العيد الكبير، عيد الأضحى، حقها. هي المرة الأولى منذ سنوات عديدة التي
يتزامن فيها موسمان: موسم يوم الأمم المتحدة وموسم عيد الأضحى المبارك.
قبل /23/ عاماً كان لأول أيام الأضحى
أثره في مسيرة الأمم المتحدة. كيف؟ هذا ما ستعالجه النقطة الأولى.
أما النقطة الثانية فتعود بنا
إلى عام 1945، إلى يوم صادق فيه مجلس النواب السوري على ميثاق الأمم المتحدة.
وتعود بنا النقطة الثالثة إلى
عام 1922. صيف ذلك العام، قبل /90/ سنة بالضبط، أصدرت عصبة الأمم صك انتداب
المملكة المتحدة على فلسطين. تلك نقطة ما تزال تؤلمنا، ولاسيما أننا نقترب بعد
أيام من ذكرى وعد بلفور الذي صدر قبل /95/ عاماً.
إذن أتحدث هذا المساء عن أعوام ثلاثة في
تاريخ الأمم المتحدة هي بترتيب رجعي: 1989 و 1945 و 1922.
النقطة الأولى: 1989:
بفضل وسائل الإعلام والثقافة السورية،
بفضل اتحاد الكتاب العرب وجريدة تشرين وفصلية نهج الإسلام، انتشرت
عالمياً عام 1990 فكرة فاجأتُ بها السيد مايور، مدير عام اليونسكو آنذاك، لدى
لقائي به في مكتبه يوم 13/7/1989 وكان أول أيام عيد الأضحى. عَرَّفتُ المسؤول
الأول عن الثقافة في العالم بأهمية اليوم الديني الأول لثاني أكبر ديانة في
العالم. كانت استجابته ممتازة. ثم عبر سلسلة نشاطات وتفاعلات أخذت الأمم المتحدة
تعطل كل مكاتبها في العالم في أول يومي عيدي الفطر والأضحى، بناء على طلب مصر. لماذا
لم تأخذ سورية الرسمية زمام المبادرة إلى تبني مبادرة انطلقت علانية في دمشق؟ ذلك
سؤال يستحق الإجابة.
حفاوة الأمم المتحدة في عيدي الإسلام
خطوة كبرى في تاريخ المنظمة الدولية تماثل خطوة كبرى سابقة انتجتها حرب تشرين، ألا
وهي الاعتراف بالعربية لغة رسمية، بل لغة أولى ووحيدة أضيفت إلى لغات الأمم
المتحدة الخمس التي استقر عليها الميثاق عام 1945. إلا أن ما جرى في البيت الزجاجي
في نيو يورك يستحق أن يُتابَع في المنظمات المختصة ضمن عائلة الأمم المتحدة. أولى
تلك المنظمات أهمية هي اليونسكو. أسأل وزارة التربية السورية أن تطالب اليونسكو
باتخاذ قرار بالتعطيل في عيدي الفطر والأضحى.
النقطة الثانية 1945:
في الميثاق المادة /78/ التي عرفت ذات
يوم في أروقة المؤتمر التأسيسي للأمم المتحدة باسم مادة سورية. أرادت سورية
من المادة صيانة لاستقلالها الكامل يوم كانت ماتزال تعسكر في أرضها قوات أجنبية
تطالبها بالجلاء. دَرَستُ المنظمات الدولية على يد أستاذ جليل في جامعة دمشق فلم
يكن في كتابه ذكر خاص لتلك المادة. بل لم أعرف أهمية تلك المادة لسورية إلا من
خلال أستاذ أمريكي عام 1964 حين كنت أتابع الدراسة هناك. ثم بعد سنوات خطر لي أن
أعود إلى محاضر جلسات مجلس النواب. وجدت نص مذكرة من رئاسة الوزارة إلى رئاسة مجلس
النواب تنص بالحرف على أن هذه المادة وُضِعَت خصيصاً لسورية ولبنان. أطالب
منذ السبعينات بأن يُعَرِّفَ كتابنا عن الأمم المتحدة قُرّاءَهم بأهمية تلك المادة
بالنسبة لنا.
لا أظن أن في أي مُؤَلَّفٍ سوريٍ عن
الأمم المتحدة إشارة إلى هذا الأمر، ما عدا كتابي الأمم المتحدَةَ والسياسة
الدولية وما يخصُّ العرب. أصدرت الموسوعة العربية المرتبطة برئاسة الجمهورية ،
أصدرت منذ سنوات، مَشكورةً، كتاباً ضخماً قيماً عن الأمم المتحدة. لم تذكر به دور
سورية في وضع هذه المادة في الميثاق. أسألها من هذا المنبر وبهذه المناسبة أن
تنشر في كتاب خاص المحاضر الرسمية لتلك الجلسة التي صادق فيها مجلس النواب
على الميثاق. ذلك عمل مفيد لنا، لسوريتنا، يُظهِر عراقةً وبراعةً في نشاطنا
الدبلوماسي الدولي، يزيد من احترام العالم لدولتنا السورية. في 15/9/2012 التقيت
بالأستاذ الأخضر الإبراهيمي. ما أن ذكرت له هذا الأمر حتى أبدى اهتماماً بالغاً
بهذه الجزئية من تاريخ الميثاق. في جلسة في رحاب جامعة دمشق يوم 5/4/2012، ضَمَّتني
وعميد كلية الحقوق، سلمته رسالةً بهذا الشأن، ومعها نشرة تعريفية برابطتنا تبرز
المادة /78/. لا أدري ما فعل بها. أسأل الصديق العميد عما فعل، ملتمساً له العذر، إن
غَفل. على كتفيه أعباء آلاف الطلبة بل ربما عشرات آلاف الطلبة الذين تزدحم بهم كلية
الحقوق. إلا أننا في الشهر القادم نبتدئ العام المائة لتأسيس معهد الحقوق العربي.
أرجو أن يكون للمادة /78/ مكانها في برنامج احتفالات تضعه الكلية، ولاسيما أن المُنافح
الأول عن هذه المادة في مؤتمر سان فرنسيسكو كان أستاذاً في معهد الحقوق.
النقطة الثالثة: 1922:
من وعد بلفور إلى صك الانتداب الذي يضمن
وعد بلفور إلى معركة فلسطين الكبرى في أروقة الأمم المتحدة هذه الأيام إذ تحاول
حكومة فلسطين الحصول على اعتراف بفلسطين كدولة ، تلك هي النقطة الثالثة. هي نقطة
مشاع يتشارك في واجب الاهتمام بها العرب والمسلمون وكل أنصار بناء عالم من السلم
العادل. يتصاعد في السياسة الدولية دور الاعتذار كوسيلة من وسائل التعامل مع قضايا
إنسانية ذات جانب تاريخي مستمرٍ أثره. لن أطيل في حديث التاريخ. يكفيني ما جرى قبل
خمسة أيام. في 17/10/2012 صدر عن الرئاسة الفرنسية بيان يَقِفُ عند مجزرة وحشية ارتكبتها
فرنسا ضد الجزائر في وسط باريس، قبل أكثر من /50/ عاماً. وقفة جيدة، وإن لم تكن
كافية. أضع على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الحالية،
مقترح أن تعتذر الأمم المتحدة عما ارتكبته سابقتها عصبة الأمم قبل /90/ عاماً، حين
وافقت على حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه السياسية. أسأل وزارة الخارجية أن
تبدأ نشر فكرة هذا المقترح الذي هو على جدول أعمال العالم لدى أصحاب الضمائر
الحية. لن ينجح المقترح في دورة الجمعية العامة هذا العام. لكنه حتماً سينجح في
أعوام تالية. أذكر الجميع بأن رسالة وجهها عدد من المثقفين العرب اجتمعوا في دمشق
يوم 2/11/2002 كان لها أثر إقناع السيد جاك سترو وزير خارجية المملكة المتحدة
آنذاك، بإطلاق تصريح ينال به من وعد بلفور، لأول مرة في التاريخ البريطاني.
أيها الحفل الكريم:
لسنا ضعفاء إلا بمقدار ما نُضعف أنفسنا.
ليس صاحب الحق ضعيفاً إلا بمقدار ما يضعف نفسه.
" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم
ورسوله والمؤمنون". "وما ظلمناهم لكن أنفسَهم كانوا يظلمون".
22/10/2012 جورج جبور