الدكتور جورج جبور
رئيس الرابطة
السورية للامم المتحدة
مدير مكتب الرئيس للدراسات السياسية والعامة 1971-1989
عضو مجلس الشعب 2003-2007
أستاذ ورئيس قسم السياسة، معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة: 1977-
1979
صدر في الايام الاولى من عام 2015 كتابان
هامان بالعربية عن السياسة الخارجية السورية في عهد الرئيس حافظ الاسد. اولهما
مترجم عن الانجليزية ومؤلفته الدكتورة بثينة شعبان ، الاستاذة في كلية آداب جامعة
دمشق والمستشارة السياسية والاعلامية للرئيس بشار الاسد. وثانيهما للسيد فاروق
الشرع نائب رئيس الجمهورية بين عامي 2005 و 2014، وكان قد تولى مهمة وزير دولة
للشؤون الخارجية في عام 1980 ، ثم غدا وزيرا للخارجية في عام 1984 حتى تاريخ
تسميته نائبا للرئيس.
أهم ما يتعامل معه الكتابان عملية السلم بين
سورية واسرائيل، تلك العملية التي استمرت ما يقرب من عشرة اعوام بين افتتاح مؤتمر
مدريد في اواخر تشرين الاول عام 1991 وحتى لقاء الرئيسين الاسد وكلينتون في جنيف،
آذار 2000.
ومما يلفت النظر، منذ البداية، ان سنوات
طويلة مرت بين آخر حدث يتعامل معه الكتابان، واقصد به لقاء جنيف، وبين تاريخ صدور
الكتابين. في هذه الاثناء ازدحمت المكتبات بمذكرات كثيرين ممن شاركوا في عملية
السلم وتحدثوا عنها وسط صمت سوري.
ما الذي دفع بالمؤلفين السوريين الى التاليف؟
لكل كتاب قصة . ومن المفترض ان تحتل قصة كل كتاب مكانا في الصفحات الاولى منه. فلننظر.
القصة التي ترويها كلمة ناشر كتاب الشرع
واضحة : "كنا في طور تأسيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بداية
عام 2010 حين الح مؤسسه ومديره العام على نائب الرئيس السوري الاستاذ فاروق الشرع
ان يكتب مذكراته كوزير خارجية ........ وبعد حين، قرر الدكتور عزمي بشارة ان يكلف المؤرخ
محمد جمال باروت، أحد باحثي المركز، بالمساهمة في تحضير الوثائق ومراجعة المحاضر الرسمية
التي اتيحت له في حينه..." (ص 7 ). يتابع
الناشر ذكر ما جرى منذئذ ليقول: "كان
هذا الكتاب كاملا في أيدينا في نيسان ابريل عام 2011. ولكننا قررنا التريث وعدم
نشره بسبب الاوضاع في سورية. غير ان المدة طالت.. ومؤخرا شعرنا انه لا يمكن
التأجيل أكثر من ذلك ...........ولذلك قررنا نشره بعد استئذان الكاتب (ص 10). من
الطريف في كلمة التاشر انها غير مؤرخة رغم كلمة "مؤخرا" التي ترد فيها.
اما كلمة المؤلف، فاروق الشرع، في مقدمة
الكتاب ، فتذكر انه وجد نفسه "مضطرا لكتابة هذه المذكرات بعد ان نشر كثير من
الاكاديميين والصحفيين والساسة .... رواياتهم عن هذه الفترة ، ولم تبق الا الرواية
السورية، الرواية المفقودة. فأنا لا استطيع التهرب من المسؤولية أكثر مما هو جائز او
معقول...." ( ص 11) . ومن الطريف ايضا ان المؤلف لم يؤرخ مقدمته.
لكتاب بثينة شعبان قصة اخرى مرتبطة مباشرة
بحافظ الاسد. تقول انه كان لديها "احساس داخلي انه يأمل ان اسجل الاحداث
الحقيقية التي حدثت" في مرحلة عملها معه مترجمة رغم انه لم بقل لها شيئا عن
ذلك قط (ص 29) . وتتابع الاستاذة الجامعية: " بعد سنة من وفاته ، شاهدته في
الحلم. قال لي: يا بثينة، لماذا لم تكتبي حتى الآن عن المرحلة التي عملت فيها
معي؟" أجابها موضحا ما يود منها ان تكتب في اربعة فصول.(30) . وكتبت. لم تذكر
في الصفحات الاولى من كتابها بالعربية متى بدأت الكتابة . لكنها في الصفحة 275 تقول
انها تكتب بعد ثلاث سنوات من بدء الاحداث السورية عام 2011.
يتضح مما سبق ان الشرع، في الارجح، انهى
كتابه قبل بدء شعبان في الكتابة. الا ان كتاب شعبان ظهر بالانجليزية قبل ظهور كتاب
الشرع . ثم ظهرت الترجمة العربية له في وقت قريب من ظهور كتاب الشرع. ربما ان احد
الكتابين سبق الآخر بايام. السؤال الذي يرد الى الذهن هنا: هل ثمة ما ينبغي ان
يقال في العلاقة بين قصتي الكتابين؟ لماذا ظهرا معا تقريبا بعد صمت طال؟ للمؤلفين --- وربما للناشرين -- ان يجيبا ، ومن حق القارئ
ان يعلم.
ثانياً : حديث في عام 1973 يختصر عملية
السلم:
عبر الهاتف، وعلى مدى ساعة كاملة ظهر يوم 23
تشرين الاول 1973 ، كان حديث مع الرئيس حافظ الاسد عنوانه: كيف ينبغي ان نتعامل مع
قرار مجلس الامن رقم 338 الذي بموجبه تقرر انهاء حرب تشرين التحريرية بتأكيد
الالتزام بتطبيق القرار 242 .ابتدأ الرئيس حديثه معي بالقول : لا ريب انك تتابع.
ما رأيك في ما ينبغي فعله ازاء القرار، وقد تبناه مجلس الامن بناء على طلب امريكي
– سوفييتي، ووافقت عليه مصر فورا؟ كانت الاجابة واضحة عندي ، ولم اشك في انها كانت
واضحة عنده.. لماذا يستشيرني اذن؟ لاح في البال انه يود ان نقولها معا، يود ان
نتقاسم مرارة لفظها باللسان. تحدثنا عن القرار 242 الذي الف السوريون في معارضته
المطولات عبر سنوات سبع . تداولنا في تفسيراته المتعددة والمتضاربة . عن ال
التعريف الغائبة فيه غياب كلمة فلسطين . هل ستأكل ال التعريف الغائبة بعضا من
ارضنا؟ هل ستغيب حقوق الفلسطينيين نتيجة غياب كلمة فلسطين؟ تحدثنا عن اتفاقية قوات
الطوارئ الدولية في سيناء التي التزم بها عبد الناصر اثر العدوان الثلاثي عام 1956
والتي انتقصت من سيادة مصر على ارضها والتي ارتضتها مصر ثمنا دفعته للانسحاب الاسرائيلي. ثم حين احب الرئيس عبد الناصر اثبات ان سيادته على ارض مصر لم تنتقص، كانت نكسة
1967. لم يشر اي منا الى الوضع العسكري في الجبهة السورية. كانت المحادثة في ظله
ولكننا لم نذكره. لم يشر اي منا الى مدى التنسيق بيننا وبين السوفييت. لماذا ،
هكذا، اتفقوا مع الامريكيين على وقف لاطلاق النار دون استشارتنا؟ في ذلك الحديث
المطول كتبنا شفهيا ---- شفهيا من جهتي، ولا ادري ما الذي كان يجري في الجهة الخرى
--- ما اصبح نص قبولنا بالقرار 338 حسب فهمنا له. انه يعني الانسحاب الكامل من
الارااضي التي احتلت عام 1967 ويعني ايضا التمسك بحقوق الفلسطينيين كما نصت عليها قرارات
الامم المتحدة. في اليوم التالي اعلمت خارجيتنا الامم المتحدة قبولنا القرار 338
حسب فهمنا له. احتجت اسرائيل على القبول المشروط. لم يكن لاحتجاجها اثر. في مناسبات
لاحقة اكدت الجمعية العامة للامم المتحدة ان الانسحاب ينبغي ان يكون كاملا.
انتصرنا بالقانون الدولي ، الا ان الارض ما تزال محتلة. لدي رؤوس اقلام عن ذلك
الحديث الخطير ، ولا ادري ما في وثائق القصر عنه،وان كنت ارجح انه بقي، عند الرئيس،
حديثا شفهيا. قراءة كتابي الشرع وشعبان اعادت شحن الذاكرة بذلك الحدبث. ما
تبادلناه --- الرئيس وانا -- من آراء في تلك الساعة بدا لي، اذ انهيت قراءة
الكتابين، خلاصة مبكرة جدا لما جاء فيهما،
اي لما اختتمت به عملية السلم عبر عشر سنوات. تلك ال اللعينة الغائبة في القرار
242، وما غيبها الا غياب القوة العسكرية العربية ، هي التي حكمت العملية ،
والكتابان القيمان تفصيل. منذ عام 1967، ثم منذ عام 1973، ثم في الجولة الاهم
عام 2000، ثم في ما تلا حتى عام 2010، كانت عملية السلم --- كما اطلق عليها --- محكومة
يثابت مؤكد هو ان الحال لن تعود الى ما كانت عليه يوم الرابع من حزيران 1967.
ويحسن
هنا تذكر لاحقة مفيدة للمؤلفين الجادين، وقد يهمهما التقصي. في ذات يوم قبولنا
القرار 338 شكل الرئيس، شفهيا، لجنة سداسية مهمتها دراسة ما يترتب على سورية نتيجة
قبولها القرار 338. تألفت اللجنة من اثنين من كل من الهيئات الثلاث التالية: رئاسة
الجمهورية --- الاستاذ اابراهيم فوزي، امين عام القصر، رئيسا، وصاحب هذه الاسطر
--- ، وزارة الخارجية --- الدكتور صلاح الدين طرزي والدكتور اديب داوودي -- ،
وجامعة دمشق --- الدكتور حسان مريود والدكتور كمال غالي --. لكل ممن سبق ذكرهم تاريخه
في العمل العام. اجتمعت اللجنة في مكتب
امين عام القصر يومي 24 و25 تشرين الاول . كتبت تقريرها ورفعته الى الرئيس. هو
تقرير غني يتدارس مختلف الاحتمالات. وافترض انه ما يزال موجودا في ارشيف القصر.
ثالثاً:جولة في السياسة والفكر والتاريخ مع
الكتابين عبر نقاط عشر تقبل المناقشة والتنقيح:
لا يعفيني من امعان النظر في الكتابين ،
والتأني في قراءتهما ، ما توحي به الكلمات السابقة من ان: " كل شيء
بحسبان". نعم! كان بحسبان في عام 1967 وما يزال. الحسبان الجاثم على
الصدر تلخصه كلمات قليلة: لا بد من ثمن لكي يعود الحال الى ما كان عليه في 4
حزيران 1967. وحديث الثمن هو ما تحفل به مئات من صفحات الكتابين.
رحبت بما اقترحه علي الاخ الدكتور خير
الدين حسيب من كتابة مراجعة للكتابين. شعرت بضرورة الاستجابة . لا يصح ان يصدر
كتابان عن بعض اهم الصفحات في تاريخ سورية المعاصرة ، ثم ادعى لابداء الرأي فيهما،
فاتجنب التلبية . الست المنادي الدائم بالحاجة الى رابطة للدراسات السياسية السورية
المعاصرة تناقش في فضائها اهم مسائل السياسة السورية؟ بل ألست اول من " هندس"
ندوة تعقد في وزارة الخارجية للبحث في شؤون السياسة الخارجية، ندوة لم تعقد، اذ
عطلها من عطلها، رغم موافقة الرئيس على عقدها؟ ويذكر التفاصيل – بالتأكيد -- صديق
قوي الذاكرة شجاع الشهادة، لن اذكر اسمه ولكنه قد يندفع ذاتيا للشهادة ان وقع على
هذه الكلمات. كان ذلك عام 1972-1973، قبل ان يطل اي من المؤلفين، الشرع وشعبان، على
عالم الدبلوماسية. ألست المنادي باحداث مؤسسة
للدراسات السياسية السورية المعاصرة ، تكون مرجعا لكل ما يختص بوطننا الحبيب.؟
ولماذا اتجنب الحديث، واعلم عن المؤلفين اتساع الصدر والاقبال على الحوار، ولاسيما
في كل ما من شأنه نفع الوطن؟
سعدت
بقراءة الكتابين. كل منهما واضح المنهج، انيق الطباعة، مزود بفهرس اسماء، قليل
الاخطاء المطبعية. ونقصهما واحد: ليس في اي منهما خريطة. تقع مسؤولية النقص على
الاطراف الاربعة: اي على المؤلفين والناشرين. في كل منهما شئء عن سيرة المؤلف
الشخصية، سيرة ليست قصيرة فتخل، ولا طويلة فتمل. الا ان الكتابين ليسا سيرة شخصية
بمقدار ما هما سيرة كل من المؤلفين مع رجل كان له ان يكون الاكثر تميزا في تاريخ
دمشق منذ قرون عديدة.
كتاب شعبان( 320 صفحة) الرائج جدا كما يبدو، اذ هو وقت الكتابة في طبعته
السادسة، مخصص كله تقريبا للخبرة مع الرئيس الاسد في عملية السلم، وهو امر واضح من
عنوانه: عشر سنوات مع حافظ الاسد: 1990-2000 وللكتاب مقدمة مطولة بقلم عبد
الاله بلقزيز، القومي العربي من المغرب. وفيه شكر لمن ساعد المؤلفة في عملها.
. ثم ان الكتاب يختتم ببعض الرسائل من رئيسين امريكيين الى الرئيس الاسد، بالاضافة
الى محضر محادثة هاتفية بين كلينتون والاسد، والى جدول زمني بالاحداث المهمة. وللكتاب
توجه بحثي اذ يشير الى المصادر ومنها وثائق رئاسية غير منشورة سابقا. اما الناشر فمركز
دراسات الوحدة العربية ومركزه بيروت، وهو مركز له وجوده الراسخ في ساحة الفكر
السياسي العربي. ولن يضيق هنا المجال للقول بانني حاولت، منذ بدء عملي مع الرئيس
الاسد اثر انتخابه رئيسا عام 1971 احداث ما دعوته " مؤسسة دراسات الوحدة
العربية" ، على ان يكون مركزها دمشق. نشرت مجلة المعرفة السورية
التي تصدرها وزارة الثقافة نص المشروع في
عددها بتاريخ ايلول 1972. سمى قرار رئاسي ثلاثة وزراء اقترحت اسماءهم وشخصي
المتواضع للنظر في الموضوع. صدر بهذا الشأن القرار الرئاسي رقم 38 وتاريخ 12
نيشان 1973، بعد اسابيع قليلة من محاضرة القيتها مساء الجمعة 9 آذار 1973 في بيروت
بدعوة من النادي الثقافي العربي. غطتها وسائل الاعلام اللبنانية. اجتمعت
اللجنة مرات ورفعت تقريرها وغاب الامر، رغم التذكير المستمر به منذئذ وحتى الآن.
صدور كتاب شعبان عن المركز واصرار سورية ، وهي في صميم الاحداث المؤلمة ، انها لن
تتخلى عن موقعها القيادي العربي، امران مفيدان للتذكير بواجب تنفيذ الفكرة التي
تضمنها القرار الرئاسي. وهي ذات الفكرة التي نجح الدكتور حسيب في تنفيذها .ويمكن
للمركزين ان يتعاونا في توثيق الاحداث السورية الراهنة الاليمة.
أما
كتاب الشرع( 495 صفحة)، ففيه بعد سيرته الشخصية الموجزة، خلاصة جيدة عن تاريخ
سورية السياسي، وفيه خبرته في شركة الطيران السورية و في الشؤون الخارجية ممتدة على
مائة وخمسين صفحة ، تتبعها مائتا صفحة ونيف عن عملية السلم . لا يذكر الشرع انه
يحتفظ باوراق استناد ورقية خطها في حينها، لا يذكر اعتماده على مصادر. لا يشير
الى مساعدين. ولكنه في احد المواضع على الاقل يفتخر بذاكرته القوية. كتابه مذكرات شخص
سياسي بالمعنى المألوف للكلمة. وهي ليست لشخص عادي بل لوزير خارجية وصفه الناشر
بانه " احد اهم وزراء الخارجية العرب في النصف الثاني من القرن العشرين ان لم
يكن اهمهم على الاطلاق" . وتفوح من المذكرات نفحة ادبية محببة . ناشر كتاب
الشرع مركز جديد في ساحة الفكر السياسي العربي، مقره عاصمة جديدة للحراك الثقافي
والاعلامي العربي . انه مركز الابحاث ودراسة السياسات ومقره الدوحة عاصمة قطر.
مديره العام، الدكتور عزمي بشارة، مفكر كان له ان ينعم بترحيب باذخ في سورية
استمر سنوات قبل الاحداث المؤلمة بدءا من عام 2011. في اطار ذلك الترحيب الباذخ كانت
ولادة فكرة نشر مذكرات الشرع كما اشرنا اعلاه.
ما السبيل الى ايصال خلاصة قراءتي ثمانمائة
صفحة من الكتابة المركزة الموزعة على كتابين، ولكل سطر منها عندي صدى؟ رأيت الوقوف عند نقاط عشر لم ترتب حسب نظام معين، وهي
تحتمل كل انواع المناقشة والتقيح، بما في ذلك الاضافة والانقاص، كما يلي:
ا- أهنئ
المؤلفين. لاول مرة نشهد، بقلم مسؤولين سوريين، خبرات منشورةعن دقائق التعامل
الدبلوماسي مع العدو الصهيوني. قبلهما لم يقدم على مثل هذا العمل، على حد علمي، سوى
الدكتور صلاح الدين طرزي الذي كان المهندس السوري لاتفاقية الهدنة مع اسرائيل عام
1949. دون القانوني السوري مذكراته، واخبرني عنها. دعوته في الايام القليلة التي
اعقبت صدور القرار 338 الى قراءة مقتطفات منها في القصر الجمهوري، ضمن اطار جلسة
ضمت بعض الزملاء في القصر، وبعض دبلوماسيي الخارجية. سعدنا بالستماع وبالمناقشة.
ترقبنا نشر المذكرات ولم يحصل. .بكتابي شعبان والشرع ، اصبح لدينا تاريخ سوري
للسياسة الخارجية السورية في احد اهم مراحلها. ولا ريب ان لكتاب شعبان قيمة اضاقية
هنا لأنه كتب اساسا بالانجليزية مما يجعله مقربا الى القارئ غير العربي.
2- لكل من يكتب مذكراته، اسلوبه ورؤيته
لما خبر من احداث ومكانه فيها. يتوقف الشرع بجدية يشكر عليها عند هذه النقطة
الهامة. ثم ان للقارئ ان يحكم على شخصية
الكاتب من خلال ما قرأ. مؤلفا الكتابين عملا مع الرئيس الاسد. هو الشخص الاول
في الكتابين، لا ريب. اين المؤلفان في قربه؟ تحب الدكتورة بثينة ان تذكر دائما انه
كان يعاملها كابنته. تسمح العناية التي اوليت لها بفضله، بعد نضال منها، كما يسمح
فارق العمر بينها وبين الرئيس ان تنعم بتلك الصفة. ثم انها لم تتمتع في ظله الا
بصفة مترجمة . يتكلم فتترجم.ليس لها كلامها الخاص. وبالطبع كان لها في مرحلة لاحقة
ان تغدو وزيرة وان تسمى مستشارة سياسية واعلامية في الرئاسة. اما الاستاذ فاروق فانه،
قبل عمله المباشر مع الرئيس كان له كيانه ، مديرا تجاريا لشركة الطيران السورية
الرسمية التي تتبع وزارة الدفاع. بتلك الصفة عرفته اول ما عرفته اواخر النصف الاول
من السبعينات ، فقد زرته بمناسبة تنظيم بطاقة سفر لي في احدى المهمات الرسمية. ثم
انه اضحى سفيرا فوزيرا. له خبرته الخاصة وله معها استقلاليته. هكذا نراه في بعض
مواضع الكتاب يبدو وكأنه يضع نفسه في مكان يقترب من الندية في علاقته مع الرئيس. نشهد
في بعض المواضع ما يصح ان يوصف بانه نقاش مع الرئيس : قلت وقال وقلت. .في ذلك
ابتعاد عن الصورة التي يرى معظم الناس انها ناظمة لعلاقة الرئيس مع الوزراء، والتي
تحكمها صيغة : قال فسمعت واقتنعت ونفذت وبقضل توجيهاته كان النجاح. بل انه في
الصفحاتين 445-446 ، اي في اواخر ايام خبرته المباشرة مع الرئيس في جنيف ، يروي حادثة
يبدو من خلالها صاحب رأي راجح أقره الرئيس، على حساب رأي كان ابداه الرئيس بالذات. . فلنقل
اذن انه يرسم نفسه وزير خارجية مشاركا في القرار، وله وجوده المستقل.
3- يضيء المؤلفان اضاءات هامة جدا على
اساليب التفاوض التي اتبعت في عملية السلم. تسلح الوفد السوري بالقانون الدولي
وبالصراحة في متابعة المطالب واولها --- بل واولها وآخرها -- الانسحاب الى خطوط الرابع من حزيران. ذروة ما توصلت
اليه سورية في هذا المجال وديعة رابين الشهيرة المطمئنة الغامضة التي بقيت رهينة
الجيب الامريكي. لم يسجل اي من المؤلفين اي تراجع سوري مخل بالموقف السوري المعلن.
لم يكن ثمة اي تفريط. وما تزال سورية تفخر بان الاسد لم يوقع. اما اسلوب التفاوض
الاسرائيلي فلم يكن جادا في اية لحظة من اللحظات في ما عدا -- ربما-- في الاشهر الاخيرة التي
اشتدت بها المقاومة في الجنوب اللبناني ضد العدوان الاسرائيلي . تظهر مذكرات الشرع
ان اسرائيل كانت تحب من سورية ان تتدخل لدى حزب الله لكي تكون ثمة محادثات لبنانية
مع اسؤائيل . لم تشأ اسرائيل ان تنسحب من لبنان تحت الوطأة المباشرة للمقاومة.
بدا لها ان شيئا من المرونة مع سورية قد يؤدي الى اقناعها بالتدخل لصالح انسحاب
اقل اذلالا. لكن مرونتها لم تكن كافية . ونعلم كيف انتهى كل شئ الى لا شئ.ومن خلال
الكتابين بدا اسلوب التفاوض الامريكي مترددا غير فاعل لا يتناسب مع قدرة الضغط
الامريكية. . ويكاد المؤلفان هنا يعيدان كتابة ما اتى به باتريك سيل من ميل رئاسي
امريكي لدعم موقف سورية، يوازنه بل ويكبحه اصرار مجد من بعض معاوني الرئيس لوقف
هذا الميل .المعاونان الشريران هما ، باتفاق المؤلفين، دنيس روس ومارتن انديك.. وفي
موضوع العلاقة بين المسارين السوري واللبناني تؤكد شعبان انها لم تعثر على ما يشير
الى صحة ما روج له بعض اللبنانيين من وجود اتفاق سوري مع امريكا ، من خلال عملية
السلم، يطلق يد سورية في لبنان .وفي كتاب الشرع ، اكثر مما في كتاب شعبان، اشارات
الى الاسلوبين الاسرائلي والامريكي اللذين اتبعا في ايجاد شرخ بين المسارين السوري
والفلسطيني، شرخ تبلور في اتفاق اوسلو.
4- لعبت التطورات السياسية الداخلية في
اسرائيل دورا معوقا في تقدم عملية السلم. ونعلم ان الانتخابات الاسرائيلية
كانت محكا دوريا يظهر مدى تقبل الاسرائيليين للسلم، وان موقف المتطرفين الصهاينة
من وديعة رابين اسهم في تهيئة الاجواء لاغتياله . كما نعلم ان ذلك الاغتيال هيمن
كابحا على اي تقدم اسرائيلي باتجاه السلم. وبالمقابل نرى في الكتابين اشارات الى مطالب امريكية مستمرة تقدم للرئيس
السوري مؤداها انك انت من يستطيع انقاذ عملية السلم عن طريق طمأنة الاسرائيليين.
ويثبت الكتابان، كل باسلوبه، رقض الرئيس الاسد على هذه المطالب، مؤكدا انه غير
قادر على تجاوز ارادة الشعب السوري، وانه ان فرط بجزء من الحق السوري فلن يأمن
على نفسه من اقرب الناس اليه --- وهو في كتاب الشرع الشخص الذي قدم القهوة له
ولضيفه الامريكي. ---. يتضمن اثباتي لما سبق اشارة الى ان المفاوض الامريكي حاول
الاستثمار في نظام الحكم السوري لكي يحقق اختراقا لا يحلم بتحقيق مثله من خلال الاستثمار في نظام
الحكم الاسرائيلي. في كل حال، كان الفشل نصيب المحاولات الامريكية. لم يتابع
المؤلفان بالتفصيل الاثر الداخلي الاسرائيلي على سير المحادثات، ولهما العذر، اذ
هما يشهدان بما خبرا. الا ان عدم متابعة هذا الاثر ينال ولو جزئيا من القدرة على تقديم
صورة اكمل لعملية السلم.
5- يفرد كتاب شعبان صفحات مطولة لخبرة
شخصية مع اولبرايت وزيرة خارجية امريكا اثناء محادثات شبردذتاون. جوهر الخبرة محاولة
من اولبرايت لفتح قناة تفاوضية مستقلة مع شعبان تحت مسمى " الدبلوماسية
النسائبة" . لم تنجح المحاولة التي تقول شعبان انها فاجأت الشرع. يشير
كلينتون في مذكراته الى المحاولة ، ممتدحا بثينة و مقرا بفشل المحاولة . لم اعثر
في مذكرات الشرع على اي ذكر لمحاولة تقبل ان تفسر ضمن اطر متعددة. ما لفت نظري استياء
بثيتة من اغفال اشارة اولبرايت الى هذه المحاولة في مذكراتها. مع المؤلفة السورية
كل الحق في الوقوف عند هذه النقطة . انها ليست نقطة تفصيل. ثمة ممارسة غربية مألوفة
، ليست كلها غير مقصودة، هي تعمد اغفال دور المثقف العربي في الحياة العامة.
6- يتباين الكتابان في تغطية وساطة لاودر
، صديق نتانياعو ، ضمن اطار عملية السلم. كتاب شعبان يوليها العناية ، بينما يختصر
القول فيها كتاب الشرع. هي ، في كل حال، ظاهرة عبرت دون ان تخلف اثرا. ولعل
التساؤل المحق هنا هو لماذا اعطاها الرئيس ما اعطاها من الوقت والاهتمام؟
7- في كثير من صفحات الكتابين اشارات الى ان ايا من المؤلفين لم يتوقع ان تكون للمحادثلت
جدوى. يصر فاروق الشرع على انه اطلع الرئيس تكرارا على وجهة نظره هذه. تفعل
بثينة شعبان الامر ذاته، بل هي تنسب الى
الرئيس الاسد بالذات قوله ان الامر كله مضيعة للوقت. : لماذا، اذن، كلن الاستمرار
في امر عبثي؟ الجواب الكبير المقدم : الهدف من الاستمرار نفي ما يشيعه الاعلام
الدولي من ان سورية تعوق احلال السلم في المنطقة. الجواب مقنع الى حد كبير، الا
ان سؤالا آخر يفرض نفسه هنا: هل كان الربح بمقدار الثمن؟ من المتاح هنا ان تتعدد
الاجابات.، وليس بينها واحدة حاسمة.
8- ثمة غنى في ذلك القسم من كتاب الشرع
الذي به يستعيد ملامح من تجربته سفيرا ووزير دولة للشؤون الخارجية وو زيرا
للخارجية. لكنني افتقدت في ما يذكره الاشارة الى لقائه مع مورفي يوم الجمعة في
29 – 11 – 1985. لم تكن لذلك اللقاء اهمية خاصة في تطورات الاحداث، لكن كانت له
اهمية في محاولة ترسيخ تقليد سوري بضرورة احترام يوم العطلة الاسبوعية السورية بصفته
يوم عطلة، كما طالبت بذلك مذكرتي الى رئيس الجمهورية في اليوم التالي للقاء، والتي
نشرتها وزارة الثقافة ضمن احد كتبي. يمكننا الآن، بعد ثلاثين سنة، اعتبار تلك
المذكرة مبتدأ اهتمامي باحترام المناسبات الدينية الاسلامية، وعملي الدولي في هذا
المجال، اهتماما وعملا يمكن ان ينسب
اليهما، ولو جزئيا، شئ من الفضل في ترحيب الرئيس اوباما، في تموز 2015 بقرار اتخذه محافظ نيويورك باحترام يومي القطر
والاضحى.
9- وثمة في كتاب الشرع اضاءات مفيدة على موقفه من ظاهرة رفعت الاسد
والوضع الداخلي السوري في الثمانينات، و على الاجواء التي سادت اثر انتقال الرئيس
حافظ الاسد الى رحمة الله. هنا يتطرق الشرع الى ناحية لم تحظ بكثير من الشهادات
الداخلية، الا وهي كيفية هندسة ذلك الانتقال السريع للسلطة من الرئيس حافظ الى
الرئيس بشار . ما تاريخ تلك الهندسة؟ لا يقف الشرع عند ذلك الموضوع و أتذكر في هذا
المجال كلمة للواء بهجت سليمان في اربعين باسل الاسد حين اشار الى قيام
بشار بمهام باسل.
10- لاهميتها، لها عنوانها الخاص التالي
مباشرة.
رابعا: النقطة العاشرة: القرار 3379 جالس اول
على طاولة المحادثات:
ما
مكان القرار 3379 في الكتابين؟ نص فقرته العملية الوحيدة: " الجمعية العامة
تقرر: الصهيونية شكل من اشكال العنصرية والتمييز العنصري".يرد ذكر القرار مرتين
في الفهرس الموضوعي لكتاب الشرع ففي اواخر نيسان 1990 زار الاسد الاتحاد السوفييتي
فاصيب بصدمة لخصها المؤلف (ص 150) كما يلي" تبين ان الضغوط الامريكية
الاسرائلية لا تقف عند حدود المهاجرين السوفيات بل تتجاوزها الى حدود الضغط لالغاء قرار الامم المتحدة 3379". ثم
في ص 261-2 يتحدث الشرع عن استرضاء امريكا لاسرائيل بتبنيها الغاء القرار 3379 خلال
جولة المفاوضات الثانية ، وعن عدم الشعور بالمفاجأة لأن موسكو صوتت الى جانب
الغاء القرار. في الفهرس الموضوعي لكتاب شعبان يرد مرة واحدة ذكر القرار. في ص
46 متابعة لوصف اول زيارة يقوم بها بيكر
للرئيس الاسد في 13 آذار 1991 يرد في الوصف ما يلي: "تحدث بيكر عن اجراءات
بناء الثقة، مشيرا الى القرار 3379........ واختتم اللقاء بين الرجلين من دون
تحقيق اي تقدم بشأن قرار الامم المتحدة". وهنا مكان ملاحظة للمؤلفة
والناشر. بدا لي ان ثمة خللا في السرد، واقترح اعادة النظر. الا ان الفهرس
الموضوعي لا يغطي كل تجليات القرار. في الصفحة 88 تذكر المؤلفة غضب المفاوض
الاسرائلي من مقابلة اجراها السفير موفق العلاف، المفاوض السوري مع جريدة تشرين
في 8 – 11 – 1991. تنقل المؤلفة عن بن اهارون، المفاوض الاسرائيلي قوله ان كلام العلاف
في تشرين "لا يختلف عن قرار الامم المتحدة الذي دعمته سورية، والذي
يساوي بين الصهيونية والعنصرية". تقتطف المؤلفة قولا للاسرائيلي كما
يلي:" اذا كنتم تريدون السلام مع اسرائيل ، يمكنكم البدء بتقديم طلب الى
الامم المتحدة لاعتبار ذلك القرار باطلا ولاغيا" 0 انتهى اقتطاف شعبان من
الاسرائيلي. اتابع من الصفحة ذاتها مقتطفا من شعبان:"واضاف ان مثل هذا
التشريع المناهض لاسرائيل يؤدي الى نتائج عكسية وفي ما يخص اسرائيل " يجب
القاؤه في نهر الهدسون"". ( النتهى الاقتطاف من ص 88. ) ويعود القرار
3379 ليسيطر عل جلسة 16 كانون الاول 1991،
كما يرد في الصفحة 94 من الكتاب. قال بن أهارون ، واقتطف " ان الامم
المتحدة ستناقش اليوم القرار الخاص بالصهيونية في الجمعية العامة. " هل
ستحافظ سورية على موقفها المعلن عام 1975 تجاه الصهيونية؟" واشتد غضب
العلاف ...." . الكلام خطير بشأن القرار وعلاقة سورية به واستمرارها بدعمه. ولي
على النصوص السابقة كلام كما يلي: لم يشر الشرع الى حضور القرار 3379 في اللقاء الاول
بين الاسد وبيكر، كما لم يشر الى معارك القرار في المناسبات اللاحقة. وكانت وسائل
الاعلام السورية صامتة عما يقوله بن اهارون للعلاف. وللعلم، فقبل اكتشاف الشرع اواخر
نيسان 1990 تبين ملامح استجابة السوفييت للضغوط الامريكية بشأن القرار، بانت لي
هذه المعالم كما في مذكرة قدمتها الى رئيس مجلس الوزراء السوري في تشرين الثاني
1989.آتي الآن الى الكلام الأهم: في ذكرى صدور القرار عام 1989 عقدت اللجنة
العربية لدعمه --- وقد كنت المؤسس الاول لها وشرفت برئاستها منذ التاسيس في خريف عام
1986 وحتى ربيع1991– ندوة عن مكانه المفترض في مؤتمر للسلم دأبت سورية على
المطالبة بعقده. في تلك الندوة توقعت ان يكون القرار " الجالس الاول على
طاولة المفاوضات". نشرت الصحف السورية كلامي ولدي تاريخ النشر الدقيق
اعود اليه ان دعت الحاجة. ها بعد ربع قرن تتأكد صحة نظرتي من ان اهمية القرار تحتم
ان يكون الجالس الاول على طاولة المحادثات.. ينهض في الذهن سؤال خطير: لماذا لم
نعد العدة؟ كيف نصوت لتبني القرار عام 1975، ثم نصوت ضد الغائه في عام 1991
ثم نفشل في الدفاع عنه بمواجهة الاسرائيلي؟ في دراسة مطولة لي ، عممتها يوم 11 آل 1088 ،وزارة الخارجية السورية على
اداراتها وبعثاتها ، ونشرتها جريدة السفير ( 15 – 21 تشرين الاثناني 1988)،
اكدت ان القرار يعتمد في وصف الصهيونية بالعنصرية حصرا على انها ايديولوجية استيطان، وان هذا الوصف لا
علاقة له باليهودية، و ان القرار علماني بالكامل يتحدث عن ظاهرة اجتماعية ولا
يتحدث في شأن لاهوتي. و ان من الخطأ القاتل للقرار تفسيره دينيا كما حسب بعض
سياسيينا ورجال الدين، مسلمين ومسيحيين عندنا وعند غيرنا. لماذا لم نبارز
الاسرائلي في نص القرار ومعناه؟ اكتب بعد
فوات الاوان بربع قرن. أضعنا فرصة ذهبية لتقديم نظرة علمانية الى العنصرية
الصهيونية ، مناقضة لما احبت اسرائيل ان تلبسه القرار، وجاراها بعضنا جهلا، من
لبوس ديني. . في عام 1965 ، في معمعة ازمة اعلان ايان سميث استقلال روديسيا
الجنوبية المنفرد عن بريطانيا ، اشرقت علي فكرة عنصرية الاستيطان الموحدة بين جنوب
روديسيا وجنوب افريقيا واسرائيل.ساعد في اشراق الفكرة تصريح لعبد الناصر وصف
فيه ما جرى في جنوب روديسيا بانه مطابق لما جرى في اسرائيل. وضعت
الفكرة في خطاب الرئيس الاسد، بعد نقاش طويل جدا معه.، قبيل مؤتمر قمة عدم
الانحياز في الجزائر. ايلول 1973. الآن، وبعد مضي اكثر من اربعة عقود، اذكر الامر
بوضوح في مقال لي نشرته مؤخرا مجلة المناضل، الناطقة باسم حزب البعث العربي
الاشتراكي. كيف غاب عن ذاكرتنا الدبلوماسية هذا التراث فاصبحنا نتجنب الدفاع عن
قرار وصفه الرئيس الاسد بانه عادل وصائب؟ وكان وصفه له امام مؤتمر قمة منظمة
المؤتمر الاسلامي في الكويت، شباط 1987، وصدر بنتيجة مداولات القادة قرار عن
القمة يلزم الدول الاسلامية بدعم القرار ؟ بل قبيل الغاء القرار باسابيع قليلة
اتخذت القمة الاسلامية في داكار قرارا بالتصدي لمحاولات الالغاء. من المرجح، بل
من المؤكد، ان التصدي السوري لهجوم الاسرايئلي على القرار ما كان ليغير من النتيجة
الصفر التي وصل اليها مؤتمر مدريد على المسار السوري لكن لو ابدينا آنذاك اصرارا
معلنا على علمانية القرار ، لكان من الممكن القول، بنظرة استعادية، ومنطقتنا اليوم
تحترق بحمى النزعات التكفيرية، اننا غرسنا بذرة صالحة من اجل علمنة لا بد منها من
اجل استقرار العالم. كان من الممكن ان يكون الدفاع العلمي الواعي عن القرار،
المنطلق من مبادئ حقوق الانسان ، منطلقا لعمل عالمي جاد ضد التجاوزات الدينية على
حقوق الانسان. ألا نرى اليوم ان كثيرا من الاسرائليين
واليهود وغيرهم يصفون توجهات اسرائيل بانها عنصرية حقا ، ولاسيما في ظل ما يتوقع
من تطبيق عملي لمبدأ يهودية الدولة؟ القول اليوم بعنصرية الصهيونية امر يتصاعد. بل وقرأت منذ مدة قريبة مقالا صحفيا في
جريدة امريكية محترمة مؤداه ان القرار 3379 لو لم يصدر عام 1975 لكان من الضروري
صدوره اليو م نظرا لتصاعد الاتجاهات اليمينية-الدينية في اسرائيل. وفي هذا الاطار ،
اشير الى مقال ظهر قبل نحو من عامين ، في جريدة الإنترناشيونال هيرالد تريبيون، للحاخام
هنري سيغمان - وبعرف نفسه بانه صهيوني - عنوانه بليغ: " الصهيونية
ليست عنصرية ولكن الصهاينة عنصريون ". ليس هنا مجال مناقشة افكار
سيغمان. مغزاها ان الصهاينة يطبقون الصهيونية بعنصرية . ومعنى تطبيق العنصرية في
اسرائيل ان القرار 3379 كان عادلا وصائبا. في كل حال، اذا احببنا متابعة هذه
النقطة -- ومتابعتها واجبة ليس كحدث تاريحي بل كمسألة فكرية راهنة _ فعلينا العودة
الى كل ما كتب عن تلك المواجهة بين بن اهارون وبين العلاف، وانا اضع هذا الامر على
جدول اعما ل المركزين البحثيين اللذين خدما القارئ العربي بما قدما عن محادثات
مدريد.
خامسا: ختام، مزيد من إنعام النظر لاستخلاص العبر:
فهمت
من القيمين على مجلة المستقل العربي ان مراجعة الكتابين لا ينبغي ان تتجاوز
الفي كلمة. اتوقف. ويسرني ان اتلقى اصداء ما كتبت من المهتمين، وفي الطليعة منهم المؤلفان
اللذان اعتبرهما صديقين ومن المرجح انهما يعتبرانني كذلك. ويبقى ان الكتابين هامان
وانهما يستحقان مزيدا من انعام النظر، انعاما موصلا الى استخلاص العبر.
دمشق
في 27 تموز 2015
جورج جبور