الاستاذ الدكتور جورج جبور
رئيس الرابطة السورية للأمم المتحدة،
رئيس الجمعية السورية
للعلوم السياسية (قيد التأسيس)
عضو مجلس امناء مؤسسة القدس الدولية في بيروت ودمشق
وعضو المؤتمرين القومي العربي والقومي—الاسلامي
وسابقا: مستشار رئاسي وعضو مجلس الشعب.
اولا-- مقدمات: هدف البحث وخطته.
ثانيا -- الدراسات المستقبلية: مبرراتها وحدودها.
ثالثا – مقاربتان متداولتان لمستقبل اسرائيل:
1- الحتميات اللاهوتية
2- الاحتمالات السياسية
رابعا – مقاربة علم الاستعمار الاستيطان المقارن.
خامسا –الامم المتحدة والاستعمار الاستيطاني: من شرعة حقوق الانسان
الى قرار الجمعية العامة رقم 3379 الى قرار مجلس الامن رقم 2334.
سادسا: نظرة ختامية.
+++++++++++++++++++++++
أولا — مقدمات: أسئلة البحث وخطته:
منذ ولدت اسرائيل في عام 1948 وسؤال المستقبل يلاحقها: هل ستدوم؟ كم
من السنوات ستدوم؟ ما العوامل التي ستؤدي الى ديمومتها والاخرى التي ستعمل على
زوالها؟
ولا ريب ان هذه الاسئلة المترافقة مع ولادة اسرائيل انما هي ناتج
طبيعي لشعور عام مؤداه ان ولادة اسرائيل لم تكن طبيعية. يضاف الى الشعور العام
المستقر باصطناعية الولادة، عامل ثان ناتج عن ظروف التطور. فمنذ قامت اسرائيل وهي
تعتدي وتتوسع. وقد أحسن من وصفها بانها غدة سرطانية.
يحاول هذا البحث الاجابة عن الاسئلة السابقة في ضوء المعطيات
المتوافرة وقت الكتابة التي ابتدأت يوم العاشر من الشهر الاول من عام 2018.من اجل
بلوغ الهدف فسوف اتناول مبررات الدراسات المستقبلية وحدودها، ومقاربتين مختلفتين لمستقبل
اسرائيل، ثم انتقل الى التعريف بما ادعوه علم الاستعمار الاستيطاني المقارن، لأخلص
الى محاولة قراءة مستقبل اسرائيل بمقتضى هذا العلم. ولا ريب ان الوقوف مع مكان
الامم المتحدة في تقرير مستقبل اسرائيل، ولاسيما على ضوء علم الاستعمار
الاستيطاني، امر واجب اذ ان اسرائيل انما ولدت من رحم التنظيم الدولي في عملية
بدأت عام 1922. واختم البحث بنظرة ختامية.
ثانيا – الدراسات المستقبلية: مبرراتها
وحدودها:
للدراسات المستقبلية تاريخ عريق يبتدئ مع بدايات البشرية وترسخ لا ريب
مع الديانات التوحيدية، ولاسيما مه المسيحية والاسلام. في الرسائل تحذير من تحديد
موعد لقيام الساعة وفي القرآن الكريم ما يماثل ذلك. وفي القرآن الكريم ايضا نظر
مستقبلي في موضوع الروم فهم "من بعد غلبهم سيغلبون".
وفي العصور الحديثة استشرافات مستقبلية مبنية على معطيات واقعية. من
ذلك مثلا ما توقعه توكوفيل الفرنسي، منتصف القرن الثامن عشر، من ان من المستحيل
جعل الجزائر فرنسية. كتب ذلك في وقت كان تطلق فيه فرنسا على الجزائر تسمية "
فرنسا ما وراء البحار". كذلك من توقعات المفكر نفسه ما ذكره من ان قطبي
العالم سيكونان امريكا وروسيا. بنى توقعه على ما لدى الدولتين من اتساع اراض ومن
ثروات طبيعية.
وفي القرن العشرين انتشرت مراكز الابحاث المستقبلية ولاسيما في امريكا
والغرب يعامة. ومع تقدم العولمة في القرن الحادي والعشرين اصبح "علم
المستقبل" واحدا من ركائز الحياة المعاصرة بدءا من توقعات مستقبل سوق سلعة
معينة، الى حسابات ما ينتج عن تقاطع فعاليات زرين نووين يهيمن عليهما زعيما كوريا
الديموقراطية والولايات المتحدة الامريكية. ولنتذكر انني اكتب في فورة "
النار والغضب" التي اطلقها كتاب وولف عن الرئيس ترامب.
مبررات الدراسات المستقبلية كثيرة واولها شوق الانسان الى معرفة ما
يخبؤه له الغد. ويغذي هذه الدراسات التقدم العلمي الكبير الذي تخوض غماره البشرية.
الا ان حدود هذه الدراسات كثيرة ايضا. فاذا كان من السهل توقع التطورات
الديموغرافية مثلا فمن الصعب توقع ان يكون يوما بعينه، هو يوم 11 ايلول 2000، موعدا
لتنفيذ اعمال ارهابية هي الاعظم حجما في امريكا ومن قبل مجموعة استقر الراي الرسمي
على انها غير امريكية.
وقد لاحظت منذ اوائل العقد السادس من القرن العشرين، وكنت انذاك اتابع
الدراسات العليا في امريكا وقد اوفدتني اليها جامعة دمشق، ان العلوم السياسية تتجه
اتجاها رياضيا تحت عنوان:" البوليتيكومتريكس"، متابعة في ذلك علم
الاقتصاد الرياضي:" الايكونومتريكس". وما تزال مراكز الابحاث
الاستراتيجية تتابع التطور في هذا الاتجاه، وتتابع ايضا، وفي الوقت نفسه، الرصد
والتقييم التقليديين للظواهر السياسية بما فيها من " حدس " شخصي.
في الدراسات السياسية المستقبلية شيء من عدم الدقة العلمية نتيجة عدم
القدرة على ضبط كل عوامل الفعل السياسي. وهذا امر مفهوم. الا ان عدم الدقة ليست
مسوغا للابتعاد عن محاولة رؤية المستقبل. وتبقى الرؤية احتمالية تقريبية في كل
حال. ولا يدعي هذا البحث لنفسه علمية تتجاوز الاحتمال والتقريب.
ولعلي في ما احاوله اليوم انما احاكي ما قام به مؤرخ جنوب افريقيا
الابيض، ارثر كبل-جونز الذي جعل لكتاب نشره اواخر الاربعينات، أوائل سنوات الامم
المتحدة و بعد استيلاء حزب الابارتايد على الحكم، جعل لكتابه عنوانا مثيرا في
غرابته:
" تاريخ جنوب افريقيتا من عام 1952 الى عام 2010، نشر لأول مرة
عام 2015".
في الكتاب تنبأ المؤرخ بانتهاء حكم الابارتايد، لكنه اجل نهايته الى
ما بعد عقدين تقريبا من نهايته الفعلية. ما هو ثابت في فكر ذلك المؤرخ الكبير، الذي
يحظى باحترام وافر، ايمانه بان ذلك النظام الظالم، نظام الابارتايد (الفصل
العنصري) زائل لا محالة.
ثالثا: مقاربتان متداولتان لمستقبل
اسرائيل: الحتميات اللاهوتية والاحتمالات السياسية:
تحفل الادبيات المتداولة بشأن مستقبل اسرائيل بحتميتين لاهوتيتين،
واحدة اسلامية والثانية يهودية.
معظم القائلين بحتمية اسلامية في ما يتعلق بمصير اليهود يعتمدون في
قولهم على ان القرآن الكريم اوضح ذلك في الآية الرابعة من سورة الاسراء.
لكن هذا لا يعني ان كل المسلمين يؤيدون الفكرة التي تقول بان مستقبل اليهود
هو التتبير اي الدمار. واحد من المسلمين يرى في القرآن الكريم اشارة الى حق لليهود
في فلسطين فقد وعدهم الله بها. هذا الواحد هو الاعلامي الكويتي عبد الله الهدلق، ولا
يذكر رأيه أحد الا في معرض استنكاره. وثمة مسلمون عديدون لا يأخذون بالتفسير الحرفي
لتلك الآية الكريمة او لغيرها.
اما القائلون بحتمية لاهوتية يهودية بشأن مستقبل اسرائيل فيرون في بعض
الكتابات التوراتية ما يثبت وجهة نظرهم. فارض فلسطين لليهود بموجب وعد إلهي. ولنلاحظ ان تصريح بلفور لم يشر الى مبرر
اعطاء اليهود حقا في فلسطين رغم وضوح الجذر الديني فيه. وحين اقرت عصبة الامم صك
الانتداب على فلسطين عام 1922 جعلت المبرر تاريخيا ولم تذكر اي مبرر ديني لان
العصبة علمانية. الا ان الحكومة البريطانية في 23 نيسان 2017 وفي معرض اعلانها عدم
نيتها الاعتذار عن تصريح بلفور ذكرت ان التصريح مبرر تاريخيا ودينيا. في بلادنا
اليوم افصاح اوضح عن العلمانية تظهره احيانا بعض التصريحات الرسمية. مع ذلك لم يقم
احد بتنبيه الحكومة البريطانية الى ان التبرير الديني لتصريح بلفور كان احد
الاسباب التي اسهمت في تعميق التطرف -- بل الارهاب – التكفيري.
وتبقى فكرة الوعد الالهي متداولة دينيا، وخادمة مخلصة للاستغلال
السياسي في اسرائيل خاصة رغم انها مرفوضة علميا وعلمانيا.
ولنلاحظ ان الوعد الالهي لا
يعني ان كل اليهود او ان كل الصهاينة ومن معهم يؤيدون الفكرة التي تقول بان
اسرائيل الحالية الراهنة هي التي اوصت التوراة بانشائها. المدى الجغرافي للوعد الالهي
موضع جدل مستمر. ثمة اختلافات جذرية في هذا الموضوع بين الصهاينة.
هل يتزايد انصار القائلين بحتمية لاهوتية اسلامية؟ من الصعب تأكيد ذلك.
اذ بينما تنتشر دعوات تكفير اليهود --- ومعهم النصارى احيانا -- لدى بعض الجهات
الاسلامية، فاننا نلاحظ ان هذه الجهات منشغلة عمليا بمحاربة المسلمين والمسيحيين
وكأنها لا ترى في التوسع الصهيوني ما يوجب عليها الانشغال بمحاربته. غدا النص
الديني لدى كثير من هذه الجهات مبررا لأعمال ارهابية موجهة الى الداخل العربي
والاسلامي، وليست موجهة الى اسرائيل واليهود. عند هذه الجهات ينبغي اصلاح البيت
أولا. واذ يتعمق الضعف العربي والاسلامي العام، فمن الممكن الجزم بان القائلين
بحتمية لاهوتية اسلامية مقيمون في حالة كمون يمليها الضعف.
في كل حال، واذا اخذنا بالقول المتداول من ان التطرف يولد التطرف، فانه
يصح التفكير بان تصاعد نفوذ انصار الحتمية اللاهوتية اليهودية سوف يؤدي، في
الأرجح، الى تصاعد نفوذ انصار الحتمية اللاهوتية الاسلامية. لكن التطرف عند طرف قد
لا يولد تطرفا عند الطرف الآخر. قد يولد التطرف عند طرف قوي لينا لدى الطرف الآخر الضعيف،
لينا قد يتحول الى رضوخ يصح ان تتم فلسفته على انه مجسد لإرادة الهية توصي بالجنوح
الى السلم.
ولا ينتهي حديث الحتميات اللاهوتية الى نتيجة مقبولة لدى الجميع، لكن
للمؤمن بحتمية لاهوتية لدى الطرفين مسافة امان. الحتمية التي يؤمن بها ستفرض نفسها
على الارض ولكن ليس الآن بالضرورة، بل في مدى زمني غير محدد. الزمن اللامتناهي
مسافة امان. ويبقى غامضا مستقبل اسرائيل المنظور بمقتضى مقاربة الحتمية اللاهوتية.
ماذا عن مستقبل اسرائيل في مقاربة الاحتمالات السياسية؟
تتنوع المشاهد بمحسب هذه المقاربة. اكتب بعد لحظات من قراءة كلمة تشبه
الانذار لصديق اقدره يحذر بها من قمة الرياض العربية القادمة الينا قريبا. قضية
فلسطين التي يرى كثيرون انها تصفى على مراحل، قد تأتي قمة الرياض لتصفيها بالكلية
اذ هي موعد صفقة العصر كما يقال. تلك هي وجهة نظر الصديق كما فهمتها. يدعم اصحاب
هذا المشهد رؤيتهم بإقبال عدة انظمة عربية على اقامة علاقات مع اسرائيل وعلى توطيد
تلك العلاقات ان سبقت اقامتها.
وثمة وجهة نظر يمكن ان يقال انها تتناقض مع المشهد السابق. مؤدى وجهة
النظر هذه -- ومؤيدوها كثر وانا منهم -- ان قضية فلسطين اصبحت قضية الانسانية
جمعاء ولن يهدأ للإنسانية بال الا اذا وصل الفلسطينيون الى حقهم مع بعض التنويعات
في تفاصيل هذا الحق. ولدعم هذا المشهد يسوق اصحاب وجهة النظر هذه ادلة تظهر تصاعد
قوة القضية حتى ضمن دوائر التنظيم الدولي الذي كانت منها بداية الاجرام بحق
الفلسطينيين عام 1922 حين تبنت عصبة الامم صك الانتداب متضمنا تصريح بلفور. من
امثلة تصاعد قوة القضية انسحاب امريكا واسرائيل من اليونسكو. ومن امثلتها ان قرارا
تحت الباب السابع من الميثاق قد صدر عن الجمعية العامة في دورة استثنائية بصفتها
صاحبة قرار مساو في قوته لقرار من مجلس الامن، وصدر بأغلبية كبيرة. وقبل ذلك كان
القرار بشان القدس في مجلس الامن حيث انفردت امريكا بحق نقضها مجابهة كل الدول
الاعضاء الاخرى. وليس في علمي ان ايا من الاستعمالات الروسية لحق النقض في الشأن
السوري شهد روسيا منفردة في مجابهة مماثلة. كان لروسيا دائما في استعمالاتها لحق
النقض من يؤيدها من اضاء المجلس الاخرين.
المشاهد متنوعة ومتناقضة، والسياسة الدولية كما نعلم قلب ملأى بالمفاجآت.
هي علم وتآمر معا. هي حسابات موضوعية وهي تفاعلات حدس وهاجس ونرجسية معا. من كان
من العرب او غيرهم يتنبأ بان الرئيس السادات سيقوم بما قام به في 19/11/ 1977 من
زيارة الى اسرائيل؟ من كان يتنبا ان اغتيال رابين سوف يعزز الاتجاه الديني اليميني
في اسرائيل بدلا من تقويضه؟
ليس للاحتمالات السياسية ضوابط يمكن ان ترشدنا الى ما سيكون عليه
مستقبل اسرائيل. وتتأقلم المقاربة الدينية في كثير من الاحيان مع مفاجآت مقاربات
الاحتمالات السياسية. فهناك من قال بعد هزيمة 1967 العسكرية ان الاسرائليين تمسكوا
بدينهم فانتصروا. اما نحن فقد هزمنا لاننا ابتعدنا عن الاسلام. كذلك تتاقلم معها
الدراسات الاسترجاعية فتجعل – مثلا – من زيارة السادات الى القدس امرا متوقعا.
تجعله كذلك، لكن ليس قبل ان يحدث، بل بعد ان حدث. اما " بطل " المفاجآت
السياسية وقت الكتابة فهو الرئيس ترامب وما اثار من نار وغضب.
باختصار: ثمة في علم المستقبل السياسي احتمالات تحاول الحواسيب
محاصرتها، الا ان السياسة، وهي اختيار انساني، تبقى طليقة الى حد لا باس به،
متمردة على علم السياسة الرياضي، خاضعة للحدس بل للهوس وللحسابات الشخصية. ويبقى
علي ان اتجاوز القول السابق الى نقيضه فأتابع: وسيستمر مع ذلك علم السياسة الرياضي
في محاولته ترويض ما يصعب ترويضه.
رابعا: مقاربة علم الاستعمار الاستيطاني
المقارن:
انتقال الافراد و/ او الجماعات من مكان لآخر ظاهرة عرفتها البشرية منذ
القدم. وتتنوع اسباب الانتقال فقد تكون اقتصادية او دينية او غير ذلك. وليس بالامر
المتنازع فيه ان تشكلات الدول الحالية في كثير منها انما تجسد حالات انتقال سكاني.
الا ان الظاهرة الاهم تاريخيا في موضوع الاستيطان هي تلك التي عرفها العالم اثر
الاكتشافات الجغرافية في القرن الخامس عشر. وبما ان الاستيطان في المناطق المكتشفة
حديثا انما قامت به القوى الاستعمارية الكبرى آنذاك، فمعنى ذلك ان استعمارها لتلك
المناطق لم يكن بقصد الاستغلال الاقتصادي فقط بل كان بقصد الاستيطان. من هنا يمكن
القول ان " ثمة حالة استعمار استيطاني في كل مرة حدث فيها، في العصر الحديث،
ان قام غرباء، هم في الاغلبية اوروبيون، باستيطان قطر معين او ارض معينة لا تخصهم،
وحيث جاء هذا الاستيطان نتيجة التأييد الضمني او العلني للنظام والقوى السياسية
الاوروبية، وحيث اخذ المستوطنون، بعد توطيد استيطانهم، بممارسة السلطة فوق ذلك
القطر او تلك الارض، وفوق من كان او لا يزال في ذلك القطر او تلك الارض من سكان
اصليين ". ( من دراسة لصاحب هذه الاسطر في المجلة المصرية للقانون الدولي،
مجلد عام 1971 وعنوانها" الطبيعة العنصرية للاستعمار الاستيطاني والمسائل
القانونية الناجمة عنها").
اما علم الاستعمار الاستيطاني المقارن فهو تلك المقاربة العلمية التي
تدرس التجارب المتعددة للاستعمار الاستيطاني وتحاول استخلاص قواعدها الثابتة.
ونعلم بالطبع ان كلمة "علم" لها معنى دقيق في حالة العلوم الاساسية، ولها
معنى اقل دقة حين يختص الأمر بالعلوم الاجتماعية، وعلم الاستعمار الاستيطاني واحد
منها.
أساس هذا العلم مقارنة اسباب انتقال المهاجرين من بلادهم واساليبه الى
بلاد الاستيطان في ظل قوة استعمارية مهيمنة، وفي ظل شعور بالتفوق الذاتي، العنصري
او الديني في الغالب، ثم مقارنة تفاعل المستوطنين مع السكان الاصليين في ظل تلك
القوة، ثم مقارنة نظم التفرقة العنصرية والتمييز العنصري التي يقيمها المستوطنون
بعد تشكيلهم كيانا سياسيا مستقلا. ثم مقارنة مستقبلات النظم الاستيطانية.
وبالطبع ثمة تمايزات في كل حالة من حالات الاستعمار الاستيطاني. بعض
تجارب الاستيطان لم تصل الى مرحلة يشكل فيها المستوطنون كيانا مستقلا كحالة
مستوطني الجزائر. وبعضها كان للتنظيم الدولي دور اساس في احداثه كاسرائيل، بينما
كان لهذا التنظيم نفسه دور في القضاء عليه، كما في حال جنوب روديسيا وافريقيا
الجنوبية.
كذلك علينا ملاحظة ان الاستعمار الاستيطاني يتميز عن الاستعمار
التقليدي بثلاثية العلاقة التي تحكمه. في الاستعمار التقليدي طرفان: المستعمر
بالكسر والمستعمر بالفتح. في الاستعمار الاستيطاني طرف ثالث هو المستوطن. المستعمر
بالكسر هو من اتى بالمستوطن اساسا، الا ان تزايد عدد المستوطنين يولد لهم مصالح
تختلف عن مصالح الدولة الاستعمارية. الطرفان يضطهدان السكان الاصليين، الا ان
اضطهاد المستوطنين للسكان الاصليين اعتى واشد. لماذا؟ لان الدولة الاستعمارية لها
حضور دولي فيه شيء من الحرص الاخلاقي على تواضعه. اما المستوطنون فهم قوة داخلية
في المكان الذي يمارس عليه الاستيطان، وهذا الانحصار في الداخل يحجب عنهم ضغوط
الخارج. في الاستعمار الاستيطاني كثيرا ما يلوح للسكان الاصليين ان العدو هو
المستوطن. اما الدولة الاستعمارية التي هي من سمح بالاستيطان بل شجعته، فانها تبدو
احيانا -- بل وبالضرورة -- كانها حكم بينهم وبين المستوطنين.
لعلم الاستعمار الاستيطاني هذه الخصيصة التي تميزه. من اساسياته
التركيز على العلاقة الثلاثية واستنطاقها. ورغم ان هذا العلم لم يكن غائبا في
تاريخ تطور العلوم الاجتماعية، الا انه لم يجتذب كثيرا من الاهتمام.
وتدلني المتابعة التي استطعت القيام بها على امكان القول بان علم
الاستعمار الاستيطاني ازدهر بدءا من الستينات. وفي قولنا " ازدهر" شيء
من المبالغة. فالحقيقة الجارحة ان هذا العلم الموجود في ارض الواقع، والذي يبحث
عمن يدعمه، لم يجد من يتعاطف معه بجدية في الاكاديميات الكبرى التي تصنع العلم، ونعني
بها اساسا الاكاديميات الغربية. وسبب عدم التعاطف الجدي مع هذا العلم غياب المصلحة
في التعاطف معه. وهكذا نجد علم الاستعمار الاستيطاني مبعثرا في حقول اكاديمية
متعددة لكل حقل منها عنوانه الخاص.
ولننظر: العنوان الابرز للاستيطان في امريكا يدرس تحت عنوان
الاكتشافات الجغرافية. والعنوان الابرز للاستيطان في الجزائر يدرس تحت عنوان سياسة
فرنسا الاستعمارية. بينما يدرس الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين تحت
عناوين عديدة منها اللاهوتيات اليهودية والمسيحية.
واتى ازدهار علم الاستعمار الاستيطاني في الستينات ضمن ونتيجة اجواء
سياسية ملائمة. فقد ابتدأ ذلك العقد باصدار الجمعية العامة للامم المتحدة القرار
1514 الذي يعلن حق الشعوب في استقلالها، وتتابعت فيه احداث تحررية وسياسية ذات اثر
مثل استقلال الكونغو بقيادة لومومبا، و نجاح الجزائر في التحرر من الاستعمار
الفرنسي، وقيام منظمة التحرير الفلسطينية واصدارها الميثاق الوطني الفلسطيني عام
1964، واعلان ايان سميث الاستقلال المنفرد عن المملكة المتحدة والذي قال الرئيس
عبد الناصر في وصفه بانه يماثل ما قام به الصهاينة في فلسطين، وترافق كل ذلك مع ما
نتج عن الاحتلال الاسرائيلي في حزيران 1967 من سياسة اضطهاد للفلسطينيين ثم من
سياسة توسع استيطاني،، وترافق ايضا مع توسع تمثيل الدول الافريقية في الامم
المتحدة، وتصاعد النضال في الاقطار الجنوبية من افريقيا ضد العنصرية، وعقد مؤتمر
عدم الانحياز في الجزائر ( ايلول 1973) قبل اسابيع قليلة من حرب تشرين، وتوج ذلك
كله بحرب تشرين التحريرية وقمة نجاحاتها الدبلوماسية اصدار الجمعية العامة للامم المتحدة
في 10 تشرين الثاني 1975 القرار رقم 3379 المساوي بين الصهيونية والعنصرية. ولن
انسى ان اذكر لعام 1960 ان الرئيس عبد الناصر حين القى خطابه في الامم المتحدة ذلك
العام انما القاه بالعربية، وهكذا فقد طرقت الضاد العربية اسماع العالم، مؤذنة بزمن
عربي بدا اذاك قادما.
في تلك الاجواء تصاعد الحديث عن ظاهرة الاستعمار الاستيطاني. وبدأت
سلسلة مقارنات سريعة بين تجارب الاستعمار الاستيطاني المختلفة. وفي تلك الاجواء
وبفضل مركز الابحاث الفلسطينية في بيروت، متضامنا مع جامعة الخرطوم في السودان،
صدر في الخرطوم وبيروت معا، في آب 1970، كتاب بالانجليزية لصاحب هذه الاسطر، يرسم
ملامح علم الاستعمار الاستيطاني، مركزا على تجارب ثلاث، كانت ذات اهمية راهنة
سياسيا آنذاك، هي تجارب جنوب افريقيا وفلسطين وروديسيا الجنوبية. اسم الكتاب:
Settler Colonialism in Southern Africa and the Middle East
وبعد عام وبضعة اشهر وجهت سورية رسالة رسمية الى جامعة الدول العربية تحثها
بها على تنفيذ مشروع وضعه مؤلف الكتاب و تبناه الرئيس حافظ الاسد بانشاء "
مؤسسة لدراسات الاستعمار الاستيطاني المقارن في العالم".
ومن الممكن تلخيص علم الاستعمار الاستيطاني استنادا الى جدول محتويات
الكتاب آنف الذكر كما يلي:
ثمة في البداية اجواء الاستعمار والامبريالية، وثمة من ضمنها،
مستوطنون يستبطنون العنصرية الحضارية و / أو الدينية، وفي أحيان كثيرو يجاهرون بها،
يبحثون عن وثيقة تعطي استيطانهم شرعية من دول الاستعمار والامبريالية التي يدركون
انها تتعاطف معهم. تبلورت الوثيقة المنشودة في التجارب الثلاث، في اعلى مراحلها،
تبلورت في الميثاق الذي منحته بريطانيا لسيسيل رودس، وفي الدستور المؤسس لاتحاد
جنوب افريقيا، وفي تصريح بلفور.
على اساس هذه الوثائق توغل المستوطنون بأساليب مختلفة في داخل الاراضي
المستوطن عليها، مصطدمين، بعلوية، مع السكان الاصليين، مصدرين في الوقت ذاته
وبالترافق مع التوغل، قوانين وانظمة تقيد حركة المواطنين الاصليين، حتى اذا فشلت
تلك القوانين والانظمة في هدف اخضاع المواطنين الاصليين كانت القوة العارية في
مواجهتهم هي الملجأ الأخير، متجاوزة قوانينهم وانظمتهم العنصرية بالذات.
ثم يتقدم علم الاستعمار الاستيطاني ليدرس ردود الفعل على الاستيطان
محليا – اي وطنيا – واقليميا ودوليا. ويخطو بعد ذلك خطوة اخرى فيتبين نظرتين للمستقبل
رؤيتين للمستقبل: واحدة للمستوطنين اساسها التفوق، وثانية للسكان الاصليين اساسها
العدالة، بما في العدالة من سمو اخلاقي ازاء من يؤسمون انفسهم متفوقين. هذا ويمكن
الاطلاع على مزيد من التفصيل عن العلم المقترح وعن مفردات مقرر عن الاستعمار
الاستيطاني ضمن بحث قرئ في ندوة مرافقة للمؤتمر الثاني الذي عقدته الجمعية العربية
للعلوم السياسية، اواخر كانون الثاني اوائل شباط 1987، نشر في كتاب لي بعوان:"
نحو علم عربي للسياسة" (دمشق، الادارة السياسية للجيش، ط. /3/، 2009).
ومن الجميل ان محاولة الكتاب – الاساس، أي الكتاب بالانجليزية، الصادر
عام 1970، توليد علم الاستعمار الاستيطاني لقيت اصداء حسنة من قبل عديد من
الاختصاصيين على الساحتين العربية والدولية من بينهم لجنة الخبراء التي انشاتها
جامعة الدول العربية لبحث ما تبناه الرئيس الاسد، ومن بينهم ايضا سيد يس وعلي
الدين هلال ومحمد صفي الدين ابو العز وعبد الوهاب المسيري ومحمد خالد الازعر
وريتشارد ستيفينز وجيمس زغبي وغيرهم كثير. كذلك احدثت جامعة الخرطوم مقررا خاصا
عنوانه" الاستعمار الاستيطاني في جنوب افريقيا وفي الشرق الاوسط" -- معتمدة
حرفيا عنوان الكتاب --. كذلك قررت لجنة اكاديمية في معهد الاستشراق بموسكو، برئاسة
بريماكوف، ترجمة الكتاب الى الروسية. كان ذلك عام 1981، وليس في علمي ان القرار قد
نفذ. وكما علمت، فقد اوكل امر ترجمته الى الاستاذ جورج عويشق، الباحث والسياسي
السوري الذي انتقل الى رحمة الله قبل اكمال العمل.
كانت المدة منذ بداية الستينات وحتى منتصف السبعينات هي المدة الزمنية
الانسب سياسيا لانضاج علم الاستعمار الاستيطاني. ففي عام 1975 كانت اتفاقية سيناء
الثانية ثم كانت زيارة الرئيس السادات الى القدس. أخذت الامور تسير، في مستوى السياستين
العربية والعالمية، باتجاه محاولة تذويب التناقض في فلسطين بين المستوطنين والسكان
الاصليين لصالح الاقرار بتفوق المستوطنين. ولم يستطع استقلال زيمبابوي وتصاعد
النضال في جنوب افريقيا ممارسة تاثير ايجابي عربيا وعلميا لصالح الانضاج.
ولا ريب ان العبء الاكبر من التقصير انما يقع على عاتق الاكاديميا
العربية. وحدها جامعة الخرطوم أنشات مقررا في الدراسات العليا عنوانه : "
الاستعمار الاستيطاني المقارن"، ولعله لم يدم طويلا. أما معهد البحوث
والدراسات العربية في القاهرة، وهو الذي احيل اليه مشروعي المتبنى من رئيس
الجمهورية العربية السورية، فقد اكتفى بامرين. اولهما انه عهد الي، ولمرة واحدة،
في اعطاء مقرر دام اسابيع قليلة، عن علم الاستعمار الاستيطاني. وثانيها انه اصدر
كتابا عن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين كان كارثة علمية لانه اغرق
الدراسة الوحيدة فيه عن علم الاستعمار الاستيطاني بفيض من المعلومات المتداولة
وغير الممنهجة عن واقع الاستيطان الصهيوني المتوسع في الاراضي المحتلة. اما
الجمعية العربية للعلوم السياسية، وقد جرى اختياري رئيسا للجنتها التحضيرية عام
1977، فقد بذلت كثيرا من الجهد فيها، منذ تاسيسها عام 1985، لكي تهتم بعلم
الاستعمار الاستيطاني ووليده المتالق، القرار 3379، فلم افلح. شغلت الجمعية أكثر
ما شغلت بتاييد السياسات العراقية ضد ايران عهد الرئيس صدام حسين. كان للعراق فضل
التمويل، وبفضله كانت لها اجتماعاتها الدورية المنتظمة. ثم آلت الامور، بعد انتهاء
عهد الرئيس صدام حسين، الى فوضى تمويلية وتنظيمية وفكرية من ابشع مظاهرها أن احد مؤتمراتها
الفكرية، وقد عقد في مصر بتنظيم من الدكتور علي الدين هلال، قام بتمويله رجل اعمال
مصري هو احد اكبر دعاة التطبيع مع اسرائيل. واختم ببارقة امل وباعتراف. بارقة
الامل التي لم تسعفني قدراتي التكنولوجية لأتمكن من توثيقها هي انني ذات يوم قرات
عبر الحاسوب عن جامعة امريكية احدثت مقررا لدراسات الاستعمار الاستيطاني المقارن ن
وان هذا المقرر كان موضع مناقشات علمية حادة لا أعرف ان آلت الى نتيجة حاسمة. أما
الاعتراف فمؤداه انني اعاني من نقص في القدرة على المتابعة بسبب عدم استيعابي
الكافي لتقنيات الاتصال، و بسبب الوضع الذي تعاني منه سورية منذ عام 2011، والذي
تتمثل احدى نتائجه في تضاؤل الاهتمام الاكاديمي خاصة و الفكري عامة بما لا يخص
متطلبات الحياة اليومية المباشرة..
ثم انه قد يكون من المفيد ان امثل على ضحالة الاداء الاكاديمي فلا
يبقى الكلام مرسلا دون سند.
اثبت هنا فقرتين اوردهما
اكاديميان عربيان في وصفهما لدراسات الاستعمار الاستيطاني.، ثم اعلق عليهما.
كتب الدكتور سميح فرسون، استاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة
الامريكية بواشنطن العاصمة، ضمن دراسة نشرتها مجلة " شؤون فلسطينية"
(العدد 47 تموز 1975 ص 164) بعنوان " جنوب افريقيا واسرائيل: علاقة
خاصة"، كتب ما يلي:" لم يدرس الاستعمار الاستيطاني والدول التي شيدها
المستعمرون دراسة كافية ولم يحلل تحليلا نظريا. ةتشتمل المحاولات الاخيرة المتسمة
بنفاذ البصيرة على ب. ل. فان دون برغ (1967)، ايمانويل (1972)، جورج جبور (1970)
ابراهيم ابو لغد وبهاء ابو لبن (1974).
أما الدكتور مجدي حماد، وهو حاليا مدير جامعة خاصة شهيرة في لبنان، فأورد
في كتابه " النظام السياسي الاستيطاني: دراسة مقارنة: اسرائيل وجنوب
اقريقيا" (بيروت، دار الوحدة، 1981 300 صفحة): "ان ظاهرة الاستعمار
الاستيطاني، وخاصة الدول التي شيدها المستعمرون، لم تدرس دراسة كافية ولم تخضع
لتحليل نظري متكامل. وتشمل المحاولات الحديثة نسبيا المتسمة بالتعمق على دراسات
فان دين بيرج (1967) وجورج جبور (1970) وايمانويل (1972) وابراهيم ابو لغد وبهاء
ابو لبن (1974) وريتشارد ستيفينز وعبد الوهاب المسيري (1977). وكتابه في الاساس
رسالة دكتوراه اعدها في جامعة القاهرة.
وتعليقي على الفقرتين محب وصارم معا.
محب لان الاكاديميين العربيين، وثانيهما صديق، اوردا اسمي ضمن ما
اوردا من اسماء. كان بامكانهما، ضمن حالة ضعف الاكاديمية العربية، اهمال الاسم. وللعلم،
فقد أخل بالاخلاقيات الاكاديمية المتعارف عليها معهد البحوث والدراسات العربية الاخلاقيات
في القاهرة الذي كلف بمهمة تنفيذ مشروعي عن دراسات الاستعمار الاستيطاني المتبنى
رسميا من الحكومة السورية. ولي عن هذا الامر صفحات مطولة ارشد اليها من يشاء.
وصارم لان الفقرة الثانية تكاد تكون نسخا للفقرة الاولى، الا ان
صاحبها لم يشأ ان يعترف بما وبمن نسخ عنه، متبعا في ذلك التقاليد الراسخة في ضعف
الاخلاقيات الاكاديمية العربية.
وأذكر هنا للدكتور المسيري فضله في متابعة البحث في الاستعمار
الاستيطاني وقد تجلى ذلك في موسوعته المعروفة عن اليهودية والصهيونية واسرائيل.
كما أذكر له رفعة تمسكه بالاخلاقيات الاكاديمية من خلال تعامله مع كتاباتي في حقل
دراسات الاستعمار الاستيطاني.
قلت في موضع سابق ان
دراسات الاستعمار الاستيطاني، من حيث فائدتها في تأجيج النضال العربي بمواجهة
الأطماع الصهيونية، عانت من النكسات بدءا من اتفاقية سيناء الثانية. وفي الحق أن
الاتفاقية تزامنت مع صدور القرار 3379 المساوي بين الصهيونية والعنصرية. واذا كان
من الواجب العلمي والاخلاقي ذكر ان الاتفاقية التي عقدت قبل اسابيع قليلة من صدور
القرار لم تمنع الدبلوماسية المصرية من التصويت لصالحه في الجمعية العامة، فان من
المفيد لصالح العلم، وقد انقضت عقود اربعة ونيف على ذينك الحدثين، ان يتصدى باحث
لدراسة محاولة افترض ان اسرائيل قامت بها للحيلولة دون تاييد مصر للقرار 3379.
ماذا كان أثر القرار
3379 على دراسات الاستعمار الاستيطاني؟ بالمنطق العلمي، كان من المفترض ان تجند
الاكاديميا العربية نفسها للدفاع عن القرار دعما لموقف الدول العربية الموحد
المؤيد للقرار، والسبيل الأوضح لتلك العناية بدراسات الاستعمار الاستيطاني
المقارن. دعم الموقف بالعلم، والعملية المعاكسة، اي الاعتماد على العلم لبناء
الخيارات السياسية، هو اسلوب تعامل اكاديميي العلوم السياسية في الغرب مع المجريات
السياسية التي تهم بلدانهم. ما يزال هذا الامر بعيدا عن اجواء السياسة العربية.
صدر القرار 3379 وهددت امريكا من يؤيده، فتيتم. غاب البحث العلمي. غابت الهمة
السياسية المتصلة بالعالم اتصال الفاعل. ترك القرار لمصيره. استولى عليه فهم جماعي
يغلب عليه تفسير ديني معين يربط بين اليهودية من جهة وبين اليهودية والشر من جهة
اخرى. ساد فهم للقرار على انه اقرار من الامم المتحدة بان اليهودية عنصرية. أخذ البحث
في القرار، وهو علماني بالمطلق، بعيد بالكلية عن اي متضمن ديني، مبني بالكلية على
اسس علم الاستعمار الاستيطاني، أخذ البحث فيه، لدى البعض العربي والاسلامي، بعدا
دينيا وظفته اسرائيل في محاولاتها لالغائه، وقد نجحت.
غاب الفكر العربي
الخلاق، وتسبب غيابه في عدم تحصين القرار من الالغاء.
انظر الى ما صدر عن
كليات الحقوق العربية دعما للقرار الاخطر في تاريخ الصهيونية. بالكاد تعثر على ذكر
له.
انظر الى الخطة
الشاملة للثقافة العربية بالاف صفحاتها. تجدها خالية من التطرق الى العنصرية
الصهيونية.
الا ان للاستعمار الاستيطاني
قوامه. فلنعد الى جوهر البحث وهو السؤال عن مستقبل اسرائيل بمقتضى علم الاستعمار
الاستيطاني.
الاجابة الحاسمة
غائبة، وتلك هي طبيعة علم المستقبل في الدراسات الاجتماعية.
الا ان بعض المؤشرات
تدل على ان مستقبل اسرائيل مهدد بمقتضى علم الاستعمار الاستيطاني.
يأتي التهديد الأوضح
من حقيقة ان اسرائيل تمارس سيطرة على كتلة بشرية اكثر من نصف تعدادها فلسطينيون.
وهذا النصف الى ازدياد لا الى تناقص. بهذا المعنى فان الحكم الاسرائيلي انما هو
حكم اقلية على اكثرية. لن أدخل في تفاصيل الارقام. قد لا يكون عدد الفلسطينيين قد بلغ
النصف، لكنه قادم الى النصف واكثر. تلك حقيقة ثابتة.
والحقيقة الثابتة
الثانية هي ان التوسع الاستيطاني الاسرائيلي في الاراضي المحتلة مستمر ولا قدرة
لاحد على ضبطه بما في ذلك الحكومة الاسرائيلية بالذات. هناك ولع اسرائيلي بالتوسع
الاستيطاني تغذيه عاطفة دينية جامحة لا يرضيها الا قيام اسرائيل الكبرى ضمن ما
يراه كثيرون حقا تاريخيا لها من الفرات الى النيل. ادت هذه العاطفة الى اغتيال
رابين، كما أدى اغتياله ليس الى انتكاس هذه العاطفة بل الى تأجيجها. منذ اغتيال
رابين والسياسة الاسرائيلية تشهد مزيدا من تعمق التطرف السياسي الصهيوني والديني
اليهودي. يمارس المتحمسون للاستيطان ولعهم رغم ما يسببه ذلك للحكومة الاسرائيلية من
ازعاج دولي. ثم في خطوة تالية يتقدم المتحمسون فيحكمون. ثم ما تلبث جماعة اكثر
تحمسا للاستيطان ان تولد ثم ان تسيطر وهكذا دوليك في سلسلة تبدو كأنها دون نهاية. فاذا
قلنا ان في التوسع الاستيطاني الذي به احتفاء اسرائيل يكمن اختفاؤها مستقبلا، فلن
نجانب الحقيقة كثيرا.
أما الحقيقة الثابتة
الثالثة فهي ان العالم يبدو اكثر انزعاجا من اسرائيل اليوم مما كان عليه امس، وانه
في الارجح سيكون اكثر انزعاجا منها غدا عما هو عليه اليوم. عنوان الانزعاج الراهن
هو قرار مجلس الامن 2334 الصادر في 23 كانون الاول 2016، وعنوانه ايضا قرار مجلس
الامن ثم قرار الجمعية العامة المتخذان بمناسبة نقل السفارة الامريكية الى القدس. وثمة
عنوان ثالث للانزعاج العالمي وهو تصاعد قبول الدول لحملة مقاطعة اسرائيل المعروفة
باسم البي دي اس.
وتبقى الحقيقة
الرابعة الكبرى وخلاصتها ان المقاومة الفلسطينية باشكالها كافة حتى المسلحة منها
ليست في طريقها الى الزوال بل هي في تصاعد مستمر. يستشهد كثير من الفلسطينيين بنيران
الاسرائيليين، سلطة ومستوطنين، الا ان ثمة قتلى كثرا ايضا من المستوطنين. صحيح ان
بعض الحكومات العربية تتبادل التمثيل الدبلوماسي مع اسرائيل، وصحيح ان افكارا
وشائعات عما يدعى ب " صفقة العصر" يتم تداولها يوميا، الا ان من الصحيح ايضا
ان المشاعر العامة في البلاد العربية ما تزال مرتبطة بعواطفها العميقة في مناهضة
اسرائيل، وما تزال الحكومات المطبعة تشعر بجذوة العاطفة الشعبية المتوقدة وتحاذر
مجاهرتها بخططها التطبيعية.
ويأتي يوم في شباط،
هو العاشر منه، فيشهد نجاحا عسكريا سوريا بمواجهة الغطرسة العسكرية الاسرائيلية. تسقط
المضادات والصواريخ السورية طائرة اسرائلية متفوقة. يشد ذلك من ساعد المقاومة وسواعد
رافضي التطبيع.
هل تستطيع المؤشرات
السابقة ان تحسم؟
الحسم مستحيل. يتقدم جانب
العلم في السياسة، الا ان السياسة تبقى عملا لا يمكن التنبؤ الدقيق به في معظم
الاحوال. انتهي عند الجملة السابقة المفتاحية، لكنني اوضحها بمثال هو من طبيعة بحث
اليوم.
عام 2001 كان عام
توترات كبرى.
بعد ايام من مؤتمر دربان لمناهضة العنصرية، وهو
مؤتمر عزلت فيه امريكا واسرائيل نتيجة الحاح المنظمات غير الحكومية على ضرورة
اعادة الاعتبار للقرار 3379، بعد ايام من ذلك المؤتمر كانت الاحداث الجرمية في
امريكا، وابتدا الرئيس بوش خوض معاركه العسكرية العدوانية بحجة محاربة الارهاب.
من طبيعة الاحداث الكبرى انها توحي باقتراب
الحسم، او تحبب التفكير باقترابه. في أجواء توقع الاحداث الكبرى، يوم 20/10/ 2001
القيت في مركز زايد
بالامارات محاضرة عن مستقبل اسرائيل بمقتضى علم الاستعمار الاستيطاني. توقعت فيها
انه بعد عشرين عاما سيكون عدد من تسيطر عليهم اسرائيل من الفلسطينيين والعرب اكبر
من عدد سكانها من اليهود. اذن، ان لم تتفق دول العالم على ان الصهيونية عنصرية،
فما يستبطنه القرار 3379 من ايديولوجية يبقى موضع اجتهاد، فمن المحتم على دول
العالم القبول بوصف اسرائيل بانها دولة عنصرية، لان المعيار هنا موضوعي دقيق. تحالف
موضوع المحاضرة، تحالف مع ظروف التفكير بالامور الكبرى في وقت متوتر، كما تحالف مع
السلطة الادبية لمركز زايد، فاذا بالمحاضرة تظهر عنوانا كبيرا في عدد لا يحصى من
وسائل الاعلام في الامارات والسعودية وربما في غيرهما من دول الخليج. وانهالت علي
الدعوات لتقديم المحاضرة الشفهية ذاتها وكانت منها واحدة من جامعة البعث في حمص. ومع
توالي الايام، ذبلت الورود كما هو معهود. ثم فوجئ العالم بجديد في هذا الموضوع اواخر
ايلول 2012.
يوم 24/9/ 2012 ظهر
في النيويورك بوست، اليومية الامريكية، تصريح لهنري كيسينجر يتنبأ به ان اسرائيل
ستزول في عشر سنوات.
In ten years, there
will be no more Israel.
اثار التعليق لغطا وتصحيحا وما أشبه. الا انه اعادني الى محاضرة مركز
زايد الذي ضغطت امريكا على حكومة الامارات فاغلقته عام 2005 لانه قدم تفسيرا لأحداث ايلول يخالف النظرة الرسمية الامريكية لتلك الاحداث.
نشرت مقالا ظهر في جريدة البعث السورية (26/7/2013) وفي جريدة الديار
اللبنانية (1/ 8/ 2013) عنوانه:
" مستقبل اسرائيل بين الحتميات اللاهوتية وعلم الاستعمار
الاستيطاني وتفاعلات السياسة الدولية. ".
وفي ذلك المقال اخذت حذري. خففت من قدرة علم الاستعمار الاستيطاني على
التنبؤ. بل من قدرة العلوم الاجتماعية كلها على التنبؤ. كنا في سورية منذ عام 2011
وما نزال بين حدين. حد نضج الداخل للتغيير، وحد مؤامرة الخارج الهادفة لرسم خريطة
هويات جديدة في المنطقة. من كان يخطر في باله عام 2001 اننا مقبلون على انقلاب
شامل في المشهد السوري؟ ذلك هو المجهول الذي ضاعفت اسهمه في رسم المستقبل، تحت
عنوان" تفاعلات السياسة الدولية". يظهر التحفظ نفسه هنا تحت
عنوان:" الاحتمالات السياسية".
ويبقى علم الاستعمار الاستيطاني أكثر قدرة على التنبؤ بالمستقبل من
الحتميات اللاهوتية ومن تفاعلات السياسة الدولية. ويبقى ان هذا العلم يشير بوضوح
الى ان اسرائيل تسير في طريق غير آمن ليس لأنه يخالف المثل العليا الراهنة للبشرية
فحسب، بل لأن معادلات القوة على الارض تخضع لتغييرات عميقة.
خامسا: الامم المتحدة والاستعمار
الاستيطاني: من شرعة حقوق الانسان الى قرار الجمعية العامة رقم 3379 الى قرار مجلس
الامن رقم 2334:
كانت للتنظيم الدولي بداية مخزية اخلاقيا مع الاستعمار الاستيطاني.
دولة استيطانية آنذاك، قوامها التمييز العنصري، وهي اتحاد جنوب افريقيا، مؤسس
لعصبة الامم، وطليعة في عداد مقترحي نظام الانتداب، بل وممارسة لصلاحيات انتدابية
على جنوب غرب افريقيا. وعصبة الامم، التي كان للرئيس ولسون، صاحب فكرة حق الشعوب
في تقرير مصيرها ---- وقد سبقته الى ذلك الثورة البلشفية، كما هو معلوم ولكن على
نطاق ضيق –، عصبة الامم وللرئيس ولسن اليد الطولى في انشائها، هذه العصبة -- وهي
الشكل الاول للتنظيم السياسي العالمي –، تبنت رسميا في عام 1922 صك انتداب على
فلسطين جعل منها شركة استعمار استيطاني مكلفة دوليا بجلب المستوطنين الى فلسطين،
جلبا يؤول بحكم المنطق الى اخراج السكان الاصليين منها. ورثت عصبة الامم وورث معها
القيمون على الانتداب دور سيسيل رودوس، ابشع استعماري استيطاني عرفته العصور
الحديثة.
أما الامم المتحدة فقد ورثت
دور العصبة. لم تعد النظر في صك الانتداب لتحكم عليه بالبطلان بقتضى معيار الميثاق
الذي يحترم حق الشعوب في تقرير مصيرها. ورثت وتابعت التنفيذ، فكان قرار تقسيم فلسطين
في 29/11/1947 والذي أصبح في وقت لاحق --- ويا للأسف--- ا ليوم العالمي للتضامن مع
الشعب الفلسطيني. وتتالت قرارات بعضها ظالم جدا كقبول اسرائيل في الامم المتحدة،
وبعضها اقل ظلما، وبعضها معتدل، ولن اخوض في التفاصيل.
منذ احتلال اسرائيل للضفة الغربية وغيرها ولدت ظاهرة جديدة هي
الاستيطان على اراض يعرفها القانون الدولي بانها واقعة تحت الاحتلال. وفي العام
التالي للاحتلال احتفى العالم بالذكرى العشرين لصدور الاعلان العالمي لحقوق
الانسان واعلنه عاما لحقوق الانسان. رسخ ذلك العام ما اصبح يعرف بشرعة حقوق
الانسان واولها العهدان، واول العهدين حق الشعوب في تقرير مصيرها. وكان من الطبيعي
منذ ذلك العام ان يصيب فلسطين من العدالة نتيجة ذلك نصيب اكبر ما اصابها في اعوام
سابقة. وهكذا تقدم اهتمام الجمعية العامة من الانشغال بالسكان المدنيين تحت
الاحتلال الى رصد ما يعنيه انشاء المستوطنات من انتهاك للقانون لدولي وصولا الى
النظر في طبيعة الصهيونية. بلغ هذا التقدم مداه في 10/11/ 1975 بصدور القرار 3379
عن الجمعية العامة وبه قررت ان الصهيونية شكل من اشكال العنصرية والتمييز العنصري.
يهذ القرار الخطير بدت الامم المتحدة كأنها نزعت الشرعية عن اسرائيل.
ومن المفيد هنا التذكير بان القرار المذكور انما يصف الصهيونية
بالعنصرية اعتمادا على جوهرها كايديولوجية استعمار استيطاني، وليس على أساس
ارتباطها باليهودية. ويسرني في هذا المعرض استعادة ما قاله لي السيد جها، نائب مندوب
الهند الى الامم المتحدة اذاك وهو صديق قديم، من ان كتابي عن الاستعمار الاستيطاني
انما هو والد القرار المذكور.
ثم اننا نعلم ما نعلم عن مسيرة القرار 3379. مزقه مندوب اسرائيل لدى
الامم المتحدة في جلسة اقراره، وتعهد بحمل الهيئة المصدرة له على الغائه في غد غير
بعيد، ونجح التعهد عام 1991. ألغي القرار في حمى الحماسة العربية لبلوغ سلم مع
اسرائيل بعناية امريكية فائقة. ولنلاحظ امرين: اسس عدد من المثقفين العرب في دمشق،
عام 1986، لجنة برئاستي لدعم القرار. لم تمد ايه حكومة او هيئة عربية يد المعونة
للجنة .ذلك هو الامر الأول. اما الامر الثاني فتوضحه الوثائق الرسمية السورية بشان
مؤتمر مدريد، كما عرضتها الدكتورة بثينة شعبان في كتابها الشهير:" عشرة اعوام
مع الرئيس حافظ الأسد". توضح الوثائق ان المندوب السوري لم يدافع عن القرار
حين استهزأ به المندوب الاسرائيلي في احدى جلسات المحادثات. اعتبر المندوب السوري
ان القرار الوحيد الذي يجب بحثه هو القرار 242.
أنتج مؤتمر مدريد اتفاقية اوسلو، وانتجت الاتفاقية مزيدا من الاستيطان.
ولا بد للاستيطان المتوسع الا ان يعود بنا الى جوهر الصهيونية الذي تنبثق منه
العنصرية بالبداهة. من هنا كان القول الذي كثيرا ما يتردد في ايامنا هذه من قبل
بعض الصهاينة من ان القرار الذي يساوي الصهيونية بالعنصرية انما هو واجب الاتخاذ
اليوم اكثر مما كان عليه الحال عام 1975.
الا ان هذا الواجب ما يزال خارج نطاق المتداول الدبلوماسي الراهن وقت
الكتابة. ايامنا هذه لقرار مجلس الامن 2334 الصادر في 23/12/2016، اواخر ايام
الرئيس اوباما. القرار خطير لانه يطلب من اسرائيل وبكل جلاء الانسحاب من كافة
الاراضي المحتلة عام 1967، وازالة المستوطنات جميعها. القراءة الجادة للقرار توضح
انه بخطورته على مستقبل اسرائيل يضاهي القرار 3379. ومن المتوقع ان تحاول
الصهيونية الحد من اثره او حتى الغاءه. وقد تصاعدت لدى اصداره اصوات بهذا المعنى.
السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هنا: اليس من المناسب ان يعمد المهتمون الى اعادة
تجربة اللجنة العربية لدعم القرار 3379 مع الاهتمام الخاص بتوفير عناصر نجاح لها
اكثر مما توفر للجنة التي احدثت عام 1986؟
كان يستحب لعام 2017، وهو عام الذكرى المئوية لصدور تصريح بلفور، كان
يستحب له ان يكون عام توحيد عربي يستعيد المواقف الرسمية العربية الاولى من قضية
فلسطين. لم يحصل. في جلسات الجمعية العامة للامم المتحدة التي ابتدأت في ايلول عام2017،
عام مئوية تصريح بلفور، لم يتحدث عن التصريح الا الفلسطينيون، رغم نداءات متكررة
من هيئات المجتمع المدني العربية للاستفادة من تلك المناسية وفي طليعة هذه الهيئات
الرابطة السورية للامم المتحدة. قد يكون ان العرب اكتفوا عام 2017 بما انجز عام
2016، اي بالقرار 2334. الا ان القراءة الادق للحالة العربية تظهر انخفاض مستوى
الانشغال العربي الرسمي بقضية فلسطين، وان هذا الانخفاض ينسحب على الانشغال العربي
غير الحكومي، مقابل مزيد من الانشغال العالمي بها.
ومن الواضح ان الصهيونية قرات بدقة الحالة العربية فاستثمرتها عن طريق
الرئاسة الامريكية. في الايام الاولى من عام 2018 أصدر الرئيس الامريكي قراره بنقل
السفارة الامريكية الى القدس. اما اكثر ردود الفعل جدوى على القرار الامريكي فلم
تأت بعمل مباشر من الدول العربية، بل بعمل غير مباشر منها ومن غيرها معا، تجسد في
وقفتين ممتازتين من مجلس الامن ومن الجمعية العامة.
في عام 1922 تحل مئوية صك الانتداب على فلسطين. الاستيطان الذي اعتبره
الصك عملا حضاريا يقضي به التقدم، أصبح عملا جرميا لانه تجاوز حدوده. منذ الآن
ينبغي ان يبدأ العمل لكي يقف التنظيم الدولي وقفة جادة مع الصك ليحاكمه. أصيح من
الواضح اليوم، وعبر العديد من التجارب المؤلمة، ان الاستيطان، ومهما كانت دوافعه
وأساليبه، انما هو تأسيس للعنصرية التي يعتبر القضاء عليها فكريا – والى حد كبير:
عمليا – أهم معلم من معالم نجاح التنظيم الدولي.
سادسا: نظرة ختامية:
منذ ولدت اسرائيل وسؤال المستقبل يلاحقها. واذا كانت الاسطر السابقة اوضحت
بجلاء حدود علم المستقبل، الا ان المتابعة البحثية لما يمكن التحقق منه مما يدخل
في نطاق علم المستقبل امر يظل الاقبال عليه مفيدا، والمتابعة فيه ضرورية.
وللمتابعة، ويهمني منها بالذات تلك التي تقود الى العدالة، اساليب متعددة.
الاسلوب الاقوم هو استئناف الجهد الذي وجه الى بذله رئيس الجمهورية
العربية السورية ووافقت عليه الدول العربية وجوهره احداث مؤسسة لدراسات الاستعمار
الاستيطاني المقارن. في صفحات كتابي:" مذكرات الى رئيس مجلس الوزراء السوري:
1989" صفحات مطولة عن انشغال بالموضوع.
وثمة بعد ثلاثة اساليب ترد الى الذهن وقت الكتابة، يسهل اعتمادها من قبل
باحث فرد او من قبل مجموعة او مجموعات بحثية تطوعية. اسلوب أول اساسه متابعة
الادبيات الباحثة في مستقبل اسرائيل: جمعا وتدقيقا ومناقشة واغناء ونشرا. من هذا
القبيل كتاب هام الفه الباحث الدكتور تامر مير مصطفى عنوانه:" زوال اسرائيل: النبوءة
الأخيرة". (بيروت، دار المحجة البيضاء، 2013، 415 صفحة). لم اطلع على هذا
الكتاب الا مؤخرا. يزخر الكتاب بدراسات قيمة عن الاستعمار الاستيطاني في امريكا.
كما يحفل بتوثيق ممتاز عن التنبؤات بزوال اسرائيل من منطلق اقرب الى الديتي. ومع
انني – كما بينت اعلاه – متحفظ على هذا المنطلق الا ان الاحاطة به واجبة.
أما الاسلوب الثاني فيتحالف مع المستقبل القريب لاثارة الاهتمام. وهذا
ما حاولته حين اطلقت، متأثرا بمؤتمر دربان وبدءا من عام 2002، مبادرة ضرورة
المطالبة باعتذار عن تصريح بلفور. تطورت هذه المبادرة لاحقا، وبفضل الرابطة
السورية للامم المتحدة، الى ضرورة الاهتمام بمئوية تصريح بلفور، ونجحت في ذلك الى
حد لا بأس به. أقترح ان نتحالف مع مئوية التنظيم الدولي التي تبدأ في عام 1919،
ومع مئوية صك الانتداب التي تبدأ في عام 1922. وسيكون من المنطقي النجاح في اعلان
الصك باطلا، اذا تمت الامور بمنطقية اولها حسن التعاون بين الجهات المعنية.
وأخيرا فان الاسلوب الثالث يتجسد في تطوير تجربة كان لها حظها في
النجاح، قام بها عام 1986 مثقفون مقيمون في دمشق، واساسها دعم القرار 3379. القرار
المطلوب دعمه اليوم، بل والاسهام في تنفيذه، هو قرار مجلس الامن رقم 2334. تحسن
مطالبة الجمعية العامة للامم المتحدة باعلان يوم صدور القرار يوما عالميا لمناهضة
الاستيطان. بل وافضل من موعد يوم صدور القرار يوم آخر هو الثاني من الشهر الحادي
عشر، وبه عام 1917 صدر تصريح بلفور. من يطالب؟ مجموعة نطوعية من القانونيين وعلماء
السياسة والمهتمين بالشأن العام تطلق على نفسها اسم " لجنة دعم القرار
2334".
جورج جبور -- الواتس: 00963944363464
البريد الالكتروني:drjabbour@gmail.com
تم في دمشق يوم 10 /2/2018 وكان البدء به يوم 10/1/ 2018.