الدكتور جورج جبور
عضو اتحاد الكتاب العرب
الاستاذ رفيق المقدسي، المتوفى صيف 1965، علم من اعلام صافيتا الذي يجدر
بنا تذكره، من حيث هو اديب وكاتب ومرب، ومن حيث هو مؤلف في موضوع لعل احدا في
سورية، لم يسبقه اليه، وبذلك أشير الى كتابه: فن الصحافة (دمشق، وزارة
الثقافة، 1964، 99 صفحة من القطع الوسط). درس معتمدا على نفسه، فأتقن الانجليزية مما
فتح امامه آفاقا ثقافية واسعة، ومارس كتابة المقال الصحفي، والحديث الاذاعي معالجا
من خلالهما مسائل الشأن العام على اختلافها. وكانت له مواقفه السياسية في مواكبة التيارات
الفاعلة في الشأن العام.
درست عليه التاريخ في الصف الاول الاعدادي خلال العام الدراسي 1949-1950،
فكان في درسه واضح العرض، واسع الثقافة، ذكي الملاحظة، واثقا من نفسه، ذا هيبة لها
أثرها المحبب في نفوس طلابه.
ثم كان لنا ان نلتقي في دمشق طيلة سنين عديدة، ضيفا غاليا مرحبا به دائما في
منزل السيد الوالد. كان يعمل في الاذاعة.
متى انتقلت اقامته من صافيتا الى دمشق؟ لا أدري، ولكنني أرجح انها كانت في اواسط
الخمسينات. وأشهد انني اطللت من خلاله، عن بعد، على عالم الكتابة والكتاب، ولاسيما
في مجال الصحافة، وعلى ما يتفاعل في ذلك العالم من عواطف حادة. كذلك أفادتني أحاديثه
في التعرف على أحداث وملامح من تاريخ صافيتا، له فيها نظرات ثاقبة معمقة.
ظهرت كتب ودراسات كثيرة عن تاريخ الصحافة في سورية، الا ان الاستاذ المقدسي
سبق غيره من السوريين في اهتمامه بتعريفنا ماهية الصحافة. في كتابه آنف الذكر نكهة
أكاديمية متميزة، اذ هو يبحث في دقائق العمل الصحفي، فيبين لنا مواصفات المقال
الرئيسي، ويتعمق في تعريفنا بشخصية رئيس التحرير وكيف ينبغي ان تكون، كما يبحث في
معايير نجاح الصحفي، ويتطرق الى مواضيع حساسة كالعلاقة بين الصحافة والتجارة،
وبينها وبين السياسة والديموقراطية والحرية. ولعل من أمتع صفحات الكتاب ذي الحجم
المتواضع هي الاخيرة منه المخصصة للبحث في
" المانشيت" اي العنوان العريض الذي تختاره الجريدة لابراز اهم ما يراه
رئيس التحرير جديرا بالابراز من أنباء أو آراء.
هو كتاب جميل وعميق، صدر قبل ما يزيد عن نصف قرن، باكرا في عمر ثقافتنا
الاعلامية النظرية. لا أدري كم نسخة طبعت منه، لكنه مفقود. بحثت عنه فلم اوفق، حتى
كانت لي منه مؤخرا نسخة مصورة بعناية خاصة مشكورة من المدير العام للهيئة السورية
العامة للكتاب. في اعادة طباعة الكتاب فائدة من جوانب متعددة بينها جانب توثيقي، ولاسيما
ان صدوره تزامن مع فترة شهدت انكفاء صحفيا تجسد في ندرة الاشارة اليه في ادبياتنا
الاعلامية.
ذكرت آنفا انه كان للاستاذ المقدسي مقالاته في
الصحافة وأحاديثه في الاذاعة. كان يعتني بما يكتب. فقدت الاتصال باستاذي حين غادرت
دمشق في خريف عام 1960 . وحين عدت اليها اواخر عام 1965 كان قد انتقل الى رحمة
الله. هل قام بجمع مقالاته قبل وفاته؟ لا أدري، ولعل احدا يستطيع تقديم اجابة أكثر
دقة. أما الآن فأكتفي بهذه الكلمات القليلة
عن شخص ترك في نفسي كثيرا من الأثر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق