النقطة الاولى: الرئاسة بصفتها موضوعا رئيسا
في استمرار النزاع.
النقطة الثانية: الرئاسة بصفتها ولاية محدودة
المدة.
النقطة الثالثة: الرئاسة بصفتها رئاسة مجلس
ادارة.
لا تحاول هذه الصفحات تعزيز موقف اي من فرقاء
الازمة السورية. وليس لصاحبها حتى الآن رأي محدد في الكيفية التي يحسن من خلالها
التعامل مع مسألة تتداولها يوميا وسائل الاعلام: ما مصير الرئيس بشار الأسد. ينحصر
ما أكتبه في الإضاءة، ولو بشكل محدود، على اشكالية يرى كثيرون انها محيطة برئاسة
الجمهورية العربية السورية. ولعل بدء تفكيري بالموضوع يعود الى سؤالين كثيرا ما
وجههما بعض الصحفيين الى الرئيس الأسد منذ بدء الأزمة-العدوان. أما السؤالان فهما:
الى متى سوف تستمر في الحكم؟ ثم: هل تنوي ان تورث الحكم الى ابنك؟ واسارع الى
القول ان اجابة الرئيس الاسد على السؤالين كليهما كانت دائما منطقية كاشفة لتحامل
اعلامي.
النقطة الاولى: الرئاسة بصفتها موضوعا رئيسا في
استمرار النزاع:
لا ريب ان موضوع الرئاسة أهم موضوع على صلة
باستمرار النزاع، أو على الأقل، من أهم المواضيع. وحين يقال في المؤتمر الصحفي
الذي عقد لاعلان الاتفاق الروسي – الامريكي الاخير ان الموضوع لم يبحث، اي انه
مؤجل، فمعنى ذلك ان الاتفاق --- واحب ان اطلق عليه اسم: " اتفاق وقفة
الأضحى" --- مهدد. لا اقصد بذلك الايحاء بان الاتفاق لن ينجح. فرص نجاحه كبيرة
وينبغي ان نزيد فيها حتى لو استمر موضوع الرئاسة مؤجلا. الا ان التأجيل يحمل
تهديدا للاتفاق لسبب بسيط هو ان رئيس احدى دولتيه نزع --- بعمل فردي من عنده ---
الشرعية عن الرئيس الاسد باكرا في عمر الأزمة، ولم يستطع ان " ينزل عن
الشجرة" كما يقال، علما انه نزل عن الشجرة حين اتخذ موقفا معلنا من اسرائيل
ومستوطناتها، نزل ابتغاء للسلامة، سلامته الرئاسية. يعلم الرئيس اوباما ان
السوريين سوف تقل معاناتهم ان نزل عن الشجرة، لكن سلامة السوريين لم تكن سببا
كافيا له لكي يتنازل عن موقف اتخذه في آب 2011، استبق به احداثا توقع حدوثها ولم
تحدث. ونتج عن موقف اوباما أثر سلبي كبير. أصبح شعار المعارضة السورية الاول انهاء
رئاسة الاسد. موقفان مناهضان للاسد، اقواهما من الخارج، جعلا الرئاسة موضوعا رئيسا
في استمرار النزاع. لا انكار لحقيقة كبرى هي اهمية الرئاسة في كل دولة، ولاسيما في
دولة كسورية كانت لها رئاسة قوية ظاهرة في كل مفاصل الدولة والمجتمع منذ عام 1971.
ولا انكار لحقيقة كبرى ثانية وهي ان تولي الرئيس بشار الرئاسة كان أشبه بعملية
توريث، رغم الاجراءات الدستورية السليمة التي رافقته. الا ان الوضع في سورية هو
موضوع دم يراق يوميا. الموضوع الرئيس في الوضع السوري الراهن هو وقف سفك الدم،
ومعه وقف تدمير البنى والابنية. الارهاب هو الموضوع الرئيس. نعم، يمكن لموضوع
الرئاسة ان يؤجل. ويبقى مع ذلك موضوعا رئيسا في استمرار الازمة. انه موضوع رئيس،
وليس الموضوع الرئيس. وهذا التوصيف هو ما قام على اساسه اتفاق وقفة الاضحى، وهو
توصيف يسجل لصالح الدبلوماسية الروسية، دون ان ينتقص ذلك من قدرة الدبلوماسية
الامريكية على التأقلم مع موقف هو نصف نزول عن الشجرة. ومن المفيد تأقلم قوى المعارضة
السورية مع الموقف الامريكي. وان يتم التأقلم بصراحة معلنة، لكي يتناقص التهديد
الذي يتعرض له اتفاق وقفة الاضحى. لا يحق لاحد ان يهدد اتفاقا يشكل انهياره
اغتيالا لآمال السوريين. ولن يفوتني القول بان التهديد للاتفاق ليس محصورا بمسألة مصير
الرئيس الاسد. تحيط بالاتفاق تهديدات من جوانب عديدة، ويبقى حظه في النجاح كبيرا
رغم ذلك.
النقطة الثانية: الرئاسة بصفتها ولاية محدودة
المدة:
كثيرا ما يوجه الى الرئيس الاسد سؤال
استفزازي: " متى تترك الحكم؟". وكثيرا ما يجيب: " أفعل حين يريد
الشعب". الاجابة ليست دقيقة. ليست ارادة الشعب، معبرا عنها في انتخابات
رئاسية، هي الحاكم الوحيد في مسألة توقيت انتهاء الولاية. ثمة حاكم آخر هو
الدستور. يمنع الدستور الحالي الرئيس الاسد من الاستمرار في الحكم بعد عام 2028،
حتى لو رغب الشعب في ذلك. صحيح ان الدستور قابل للتعديل لينسجم مع رغبات الشعب كما
يفترض ان يعبر عنها مجلس الشعب، الا ان تعديل الدستور امر استثنائي. ثم ان المادة
التي تبيح للرئيس الحالي الاستمرار الى عام 2028 هي مادة استثنائية كما نص على ذلك
الدستور الحالي نفسه. الأصل في دستورنا الراهن ان الولاية سنوات سبع قابلة للتجديد
مرة واحدة. لو لم تكن الحالة الراهنة في سورية استثنائية لما كان مسموحا للرئيس ان
يستمر الى عام 2028. لكن ايضا وبالمقابل: لو لم تكن الحالة استثنائية لما كان
لدينا دستور جديد يحدد عدد الولايات الدستورية باثنتين. دستور 1973 ترك عدد
الولايات مفتوحا، فانتخب الشعب الرئيس حافظ الاسد مرات خمسا, بالاسلوب المعهود.
ومن المفيد في تاريخ سورية الدستوري تذكيرنا بمحاولة سابقة جرت عام 1947، حين وقع
عدد كبير من النواب مذكرة تطالب بجعل انتخاب الرئيس مباشرا من الناخبين، وليس عن
طريق النواب، وباتاحة المجال امام الرئيس لكي ينتخب للمرة الثانية والثالثة "والى
ما شاء الناخب". أتت المذكرة في وقت كانت فيه شعبية الرئيس شكري القوتلي قد
بلغت الاوج، كما رأى اصحاب المذكرة، فاستحق ان ينتخب ليس لمرة ثانية فقط، بل لمرة
ثالثة، " والى ما شاء الناخب". لم يتح لهذا الرأي ان ينتصر. جرى في عام
1947 تعديل دستور 1930، فأتيح للرئيس ان يتولى الرئاسة لولاية ثانية فقط، على ان
يعود اليه حق الترشح بعد انقضاء ولاية رئاسية واحدة لشخص آخر. ونعلم بالطبع ان
انقلابا اطاح بالرئيس القوتلي قبل مضي عام على بدء ولايته الرئاسية الثانية. ثم ان
ثمة جانبا يستحق الذكر حين اثيرت مسألة التجديد عام 1947. كان دستور امريكا لا
يحدد عدد الولايات الرئاسية. انتخب روزفلت مرات اربع، لمدة اربع سنوات في كل مرة،
بدءا من عام 1932. أشار أصحاب مذكرة "والى ما شاء الناخب" الى الدستور
الامريكي، في ايحاء بأن من المناسب الاقتداء به. توفي الرئيس روزفلت عام 1945، بعد
عام واحد من ولايته الرابعة. من المرجح ان اصحاب المذكرة في دمشق لم يتنبهوا الى
ان امريكا، بعد وفاة روزفلت بقليل، بدأت مسيرة تعديل لدستورها، انتهت باعتبار عشر
سنوات حدا أعلى للاستمرار في شغل الرئاسة. المقصود من النقطة الثانية واضح: من
الضروري تذكرنا ان ثمة حدودا لمدة الولاية او الولايات الدستورية تتجاوز ارادة
الناخب، اي ارادة الشعب. في التقاليد الدستورية ثمة خشية من تراكم القوة في يدي
الرئيس الذي يطول مقامه في الحكم.
النقطة الثالثة: الرئاسة بصفتها رئاسة لمجلس
ادارة:
ترددت في القاموس السياسي السوري عدة تعابير
تشير الى القيادة. أشهر تعبيرين هما الزعيم والرئيس، والى جانبهما تعابير اخرى
منها القائد والعميد والأمين العام. كان من تقاليد الكتلة الوطنية ان يكون لها زعيم
ورئيس. فأما الزعيم فهو ابراهيم هنانو. ذلك لقب ربما بدا لكثيرين أرفع مقاما من
لقب الرئيس الذي تمتع به هاشم الاتاسي. او فلنقل انه كانت لهنانو شعبية تتفوق عددا
على شعبية الاتاسي الذي كان شخصية نخبوية لها احترامها عند المشتغلين بالسياسة.
كذلك تمتع الدكتور عبد الرحمن الشهبندر بلقب " زعيم"، وربما نودي بذلك
اللقب منذ انشائه حزب الشعب الذي تطور فأصبح في وقت لاحق " الكتلة
الوطنية"، ولكن من دون الشهبندر. يهمنا هنا ان الرئيس القوتلي غدا، منذ
اغتيال الشهبندر، زعيما وطنيا عالي المقام. وكان ان انتخب رئيسا عام 1943 مبتدئا
ما اصطلح على تسميته بالعهد الوطني. درج بعض المتحمسين للقوتلي على وصفه
بأنه" الزعيم الرئيس". بدت كلمة الرئيس ضيقة عليه في نظر هذا البعض. ولا
بأس من ايرادي هنا ما سمعته من بعض قدامى المثقفين البعثيين حول وصفهم للقوتلي.
كان هذا البعض يختصر الوصفين بتعبير ساخر مركب:"زعمريس"!. ثم ان الزعيم
حسني الزعيم كان زعيما ورئيسا معا، بصدفتي الرتبة العسكرية واللقب العائلي، ثم بفضل
الاستفتاء الرئاسي. كذلك كان ينظر الى اديب الشيشكلي على انه رئيس وزعيم معا. بعد انهيار
حكم الشيشكلي انتهى عهد الزعامة. تولى المنصب الاعلى رئيسان لا زعيمان: الاتاسي
فالقوتلي. لم يكن الاتاسي زعيما في قاموس الناس. كان دائما رئيسا فقط. اما القوتلي
الذي انتخب للرئاسة مرات ثلاث، فقد كانت رئاسته الثالثة خالية، الى حد كبير، من
الق الزعامة. وانتهت، كما هو معلوم، بانجاز عالي التقدير هو تنازله عن الرئاسة
ليصبح " المواطن العربي الاول" في دولة الوحدة. لن اتابع مسيرة السياسة
السورية منذئذ. ولن اناقش هنا موضوعا خطيرا هو العلاقة المتبادلة بين قوة الرئاسة
وقوة المجتمع. في المجتمعات التي لم تستقر سياسيا سؤال كبير يطرح نفسه: هل تخلق
الرئاسة القوية مجتمعا قويا ام تضعفه؟ قد أعود الى الامرين المشار اليهما آنفا في مقال
لاحق، والعودة ضرورية مني او من غيري. أكتفي بالقول ان الاتجاه العام في السياسة
العالمية الراهنة هو تحول الرئيس الى رئيس مجلس ادارة. للرئيس صلاحيات تتفوق على صلاحيات
غيره من مسؤولي الدولة، الا انه يمارسها من خلال مؤسسات لها حق مضايقة يصل الى حق نقض.
الموضوع دقيق، والحديث فيه وقت الكتابة (صباح الخميس 15/9/ 2016) يتقاطع مع
تعبيرين – مفهومين متداولين في الوضع السوري الراهن، اولهما للحكم وهو الحكومة
الجامعة، وثانيهما للمعارضة وهو هيئة تنفيذية انتقالية كاملة الصلاحيات.
هدف النقاط الثلاث السابقة الاضاءة على بعض
ما يحيط بمسألة رئاسة الجمهورية العربية السورية. لا ادري ان افلحت، لكنني، في كل
حال، لا استبعد ان اعود، بصفتي الشخصية كاستاذ للسياسة، الى البحث في نقاط أثيرت
في أمكنة سابقة من هذا المقال، نقاط بعضها أوثق صلة بصميم المسألة، مسألة الرئاسة.
اقدر الرأي الذي يقول ان الرئاسة خط أحمر. وسيتم البحث، ان أتى، ضمن الاحترام
الواجب لمقام الرئاسة، احترام لا يخل بحرية الفكر الهادف الى اعادة السلم والامن
الى الوطن الحبيب.
دمشق
في 15/9/ 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق