مذكرات
شخصية ونقاط بشأن الاعتذار وأفكار لبرنامج عمل
(1)
سألتني،
ذات يوم قبل بضع سنوات، مجلة العودة التي يصدرها مركز العودة في لندن،
كتابة مقال عن فكرة بدأت بالدعوة إليها في تشرين الأول 2002م عبر مقال نشرته جريدة
البعث. ومن المفيد هنا اثبات انه
كان لذلك المقال صدى. جاء توقيت نشر المقال لكي يستبق موعد وعد بلفور باسابيع قليلة فيسمح لمسوؤلي بريطانيا
بالتفكر في كيفية التعامل معه. بعد
اسبوعين من ذكرى الوعد صدر تصريح لجاك سترو وزير خارجية بريطانيا ينال به نيلا رفيقا منه. كان ذلك اول نيل رسمي
من الوعد.
استجبت لما سألتنيه مجلة العودة ، واحسنت المجلة اذ
نشرته على نحو أنيق بارز.
ساورني
شعور بأنني أبلغت، بأنني غرستُ بذرة - ربما كان غيري قد سبقني إلى غرسها– في
تربة صالحة.
مركز
العودة الفلسطيني ومجلته يستحقان كل تقدير
ولم
يخطئ شعوري. ففي يوم السبت 22/12/2012م وقعتُ بالصدفة على عدد تشرين الثاني 2012 من
مجلة العودة. أفرحتني مادة إخبارية
بارزة في صفحاتها الأولى تفيد بأن مركز العودة أطلق حملة بعنوان: " بريطانيا!
حان وقت الاعتذار". تهدف الحملة إلى جمع مليون توقيع على عريضة تطالب
الحكومة البريطانية رسمياً بالاعتذار عن وعد بلفور وما تلاه.
وتضاعفت
الفرحة بما قرأته في جريدة الثورة الدمشقية 21/1/2013م، ص/9/ من تفصيل عن
المادة الإخبارية آنفة الذكر.
وحين
سألتني مجلة زهرة المدائن الإسهام في عددها الخاص هذا وافقني تحريرها الرأي
على أن خير ما يمكن أن أقدمه أفكار لبرنامج عمل يؤدي إلى اعتذار بريطاني عن وعد
بلفور في موعد أقصاه 2/11/2017م، بمناسبة الذكرى المئوية لصدور ذلك الوعد الوغد.
ولكن: ما هي فلسفة الاعتذار وما نفعه؟
(2)
أعدد
عشر نقاط يحسن التفكير فيها وهي توجز بعض ما ورد في محاضرة ألقيتها يوم 24/8/2012
في مدينة تامبيري Tampere، فنلندا، بدعوة من المعهد الفلندي للشرق الأوسط:
1- يُسهِم الاعتذار في تخفيف حدة العلاقات بين الدول
والشعوب، وفي بلسمة جراح ولدتها مظالم تاريخية.
2- فُرِضَت الاعتذارات، في عصرنا الراهن، على دول هزمت في
الحروب.
3- تقدّم الاعتذارات أيضاً من قبل بعض الدول أو الهيئات
نتيجة شعور أخلاقي بظلم أوُقع بغض النظر عن هزيمة في حرب.اعتذارات قداسة البابا
يوحنا بولس الثاني مثال باهر.
4- تتباين الاعتذارات في صياغتها، بعضها واضح وبعضها أقل
وضوحاً يركز على الأسف أو قد لا يتجاوز الشرح.
5- في بعض الأحيان، يلتبس أمر الاعتذار. قد يعتبر طرف في
خلاف تعبيراً معيناً بمثابة اعتذار في حين لا يرى فيه الطرف المقابل اعتذاراً.
أوضح مثال على هذا الأمر "اعتذار" دي كليرك، رئيس جنوب إفريقيا الأبيض،
وهو اعتذار يُؤَرَخ به لبدء تهاوي نظام الفصل العنصري هناك.
6- خير الاعتذارات ما يتم التفاوض عليه بين الطرفين تفادياً
لأي لبس.
7- يفترض الاعتذار أن الماضي شهد وقوع خطأ. ثمة أخطاء كان
مسموحاً بها في الماضي ولكنها أصبحت محرمة الآن. هكذا شأن الاسترقاق. وهكذا يتطور شأن
الاستعمار وعقابيله.
8- ليس التمييز سهلاً بين خطأ تاريخي انتهى أمره، وبين خطأ
تاريخي مستمرة عقابيله. في سفر أعمال الرسل من العهد الجديد ما يقال انه إشارة إلى وثوق العلاقة بين المسيحية واليونان
على حساب بُعد العلاقة بين المسيحية وآسيا. تلك إشارة من غير المقبول التسامح معها
في عالم اليوم.
9- ماذا يترتب على الاعتذار؟ لا جريمة من دون عقاب، إلا أن
العقاب قد يكون مادياً وقد يكون معنوياً. تأبى دول كثيرة أن تعتذر لكي لا يلزمها
تعويض. لعل من المناسب التفكير - تسهيلاً للاعتذار- في الفصل بين الاعتذار والتعويض.
10-هل الاعتذار نهاية مطاف خاطئ تطوى بصدوره صفحة الخطأ ويستمر الوضع كما كان
بعد أن تم التبييض؟ أم أنه بداية
لتصحيح الوضع الخاطئ؟ ليس ثمة جواب سهل. تحدد الظروف مآل الاعتذار.
هي نقاط عشر وقد تمتد إلى مئة إن شئنا التفصيل. فلنفكر
فيها وفي غيرها. يستحق الاعتذار منا تفكيراً عميقاً. بل قد تدفعنا الحماسة
للاعتذار إلى النظر في إمكان إضفاء "شرعية دولية" عليه بإنشاء جهاز في
الأمم المتحدة يُكلَّف بدراسة جدية حالات المطالبة به.
(3)
نأتي إلى برنامج العمل. مطلب الاعتذار حق، والطريق إليه
ليس سهلاً.
أقنعت المسهامين في المؤتمر القومي– الإسلامي الذي
انعقدت دورته في الدوحة، عاصمة قطر، أواخر عام /2006/، بضرورة وضع برنامج عمل يغطي
العقد العاشر من الوعد الوغد أي يمتد من 2/11/2007م ليبلغ ذروته باعتذار يصدر في
2/11/2017. لم يقم المؤتمر الذي اتخذ القرار بأي عملٍ تنفيذي. كذلك لم ألمس في
المادتين الإخباريتين اللتين اطلعت عليهما في مجلة العودة وفي جريدة الثورة آلية
عملٍ واضحة تؤدي إلى بلوغ المطلوب.
وفشلت محاولاتي عبر الشابكة (الإنترنت) في الاتصال
بقيادة مركز العودة للتشاور في برنامج العمل المؤدي إلى بلوغ المطلوب.
أما الأسماء التي قرأتُ في جريدة الثورة ارتباطها بإطلاق
الحملة فتستحق كل التقدير. إلا أنها في الأهمية العملية لقيادة جهد سياسي كبير
تبدو وكأنها متواضعة في قدرتها على القيام بتحريك عالمي واسع. في كل حال، أثق
بالمركز وبدقة حساباته.
في إهدائي الطبعات الخمس من كتابي وعد بلفور خاطبت
القادة العرب المجتمعين في قمة. القادة العرب مجتمعين في قمة هم المسؤولون قبل غيرهم عن المطالبة
باعتذار. ومن المفيد أنني حصلت على
التزام من جامعة الدول العربية بإصدار بيان سنوي يتحدث -إلى حد ما- عن بشاعة
الوعد. وبالفعل فقد أصدرت الأمانة العامة اول بيان لها بهذا الشأن في 2/11/2007م، أي بمناسبة الذكرى
التسعين.وما تزال تتبع النهج نفسه منذئذ
وحتى الآن.
إلا أن العمل الأجدى ينطلق من القمة وبتوقيع القادة
العرب.
هل يزمع مركز العودة مخاطبة القمة العربية المقبلة في
آذار؟ و \ او مخاطبة القمة الإسلامية؟ لا أدري. ذات يوم أعلنت عبر الصحافة السورية
مسودة اقتراحات ببرنامج عمل لما تبقى من العقد العاشر من وعد بلفور. لم ألحظ
تجاوباً. هل تكون خطوة مركز العودة في حملته المنطلقة من لندن أكثر حظاً من خطوات
انطلقت من دمشق والدوحة والقاهرة وعمّان –حيث مقر الأمانة العامة لمؤتمر الأحزاب
العربية وهي الهيئة التي تولت توزيع الطبعة الخامسة من كتابي على الاحزاب العربية ؟
أرجو ذلك.
أضع نفسي بتصرف مركز العودة في حملته، وما أظن أحداً ممن
سيقرؤون هذا المقال إلا واضعاً نفسه بتصرف المركز، عاملاً على إنجاح حملة تتمتع -أخلاقياً-
بكل مقومات النجاح.