هل ثمة علاقة بين العدوان الفرنسي على مبنى مجلس النواب السوري يوم الثلاثاء في 29 ايار 1945 وبين المادة 78 من ميثاق الأمم المتحدة؟ هذه الكلمات المختصرة مخصصة لمحاولة الاجابة عن هذا السؤال.
الفائدة من الإجابة بالإيجاب واضحة من دواعي الاعتزاز الوطني السوري ان تستطيع حادثة ظلم تعرّض لها السوريون على أيدي المستعمر الفرنسي في الإسهام بإنتاج أثر عالمي تمثل في المادة 78 من ميثاق الأمم المتحدة. أذكر هنا انّ مواطني جنوب أفريقيا يشعرون بالاعتزاز لأنّ الأمم المتحدة اختارت يوم مذبحة شاربفيل يوماً عالمياً للقضاء على العنصرية. والأمثلة المشابهة كثيرة. ثم انّ من الطبيعي ألا نبالغ في أهمية الأمر الذي أخصص له هذه الأسطر، إلا انّ تذكره في يوم 29 ايار من كلّ عام يُشعِر السوريين بمزيد من الارتياح الى النتيجة الإيجابية التي وصلوا اليها بسبب وقوف العالم معهم في مواجهة العدوان الفرنسي.
وألاحظ من البداية انّ القول بوجود علاقة بين العدوان على مبنى مجلس النواب وبين المادة 78 انما يعتمد على القرائن. ليس بين أيدينا ما يشبه ان يكون وثيقة رسمية بهذا الشأن. ليس بين أيدينا مذكرات شخصية من السوريين الذين شاركوا في صياغة الميثاق تتحدّث عن اثر 29 ايار في إنتاج المادة 78. اما الجهد البحثي المطلوب لتعميق القرائن فلم يبذل بعد، ولعلّ من المستحسن ان يبذل، واول الجهد البحثي سهل متوفر هنا في سورية، ألا وهو الرجوع الى جرائدنا اليومية في المكتبة الوطنية. اما أفضل الجهد فهو الرجوع الى وثائق مؤتمر سان فرانسيسكو، ولعلها متوفرة ورقياً في احدى المكتبات السورية الرسمية، لأنّ الامم المتحدة كانت حريصة، زمن الورق، على ان تكون وثائقها متوفرة في مكتبة واحدة على الأقلّ في كلّ دولة من الدول الأعضاء. ومن المرجح انّ عودتنا الى وثائق سان فرنسيسكو متيسّرة على نحو سهل في زمننا الالكتروني. الأسئلة التي ينبغي على الباحث الوصول الى إجابات عنها هي التالية: هل كان ثمة أصل للمادة 78 في مشروع الميثاق الذي وزع قبل المؤتمر؟ من صاغ المسودة الاولى للمادة؟ هل هو الوفد السوري، ولا سيما منه الدكتور فريد زين الدين؟ هل عارضت فرنسا بجدية صيغة المادة؟
أما الجهد البحثي الذي قمت به، والذي أدّى الى تولد القرينة، فهو مراجعتي لمحاضر جلسات مجلس النواب لدى مناقشة المجلس مسألة المصادقة على الانضمام الى منظمة الأمم المتحدة. شغلت تلك المناقشات اياماً في النصف الثاني من آب 1945.
ماذا تقول المادة 78؟ النص كما يلي: «لا يطبق نظام الوصاية على الأقاليم التي أصبحت أعضاء في هيئة الأمم المتحدة، إذ العلاقات بين أعضاء هذه الهيئة يجب ان تقوم على احترام مبدأ المساواة في السيادة».
المادة واضحة في هدفها. انها تريد الحيلولة دون تكرار خيبة أمل سابقة أعقبت إنشاء عصبة الأمم عام 1919. وعدت بريطانيا العرب بالاستقلال آنذاك، فاذا بها تقبل ان توضع سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي. خشي السوريون، في ظلّ الأمم المتحدة الناشئة التي ابتدعت نظام الوصاية على الدول الضعيفة، خشي السوريون من ان يتحوّل وضعهم من دولة تحت الانتداب الى دولة تحت الوصاية. ذلك كان أحد الهموم التي رافقت الوفد السوري حين ذهب الى سان فرانسيسكو. ننظر اليوم الى ذلك الهمّ فلا نراه مبرّراً. كانت فرنسا قد أعلنت انتهاء الانتداب، اعلنته رسمياً مرات، بدءاً من صيف 1941. إلا انّ سورية المستقلة الناشئة، المعتادة على مكائد الأقوياء، كانت تخشى من الخطط الخبيثة. كان همّها في سان فرنسيسكو ان توضع في الميثاق، تحصيناً لاستقلالها، فكرة كالتي تضمّتنها المادة 78.
أين يدخل العدوان على مبنى المجلس في خضمّ المعركة الدبلوماسية السورية ضمن إطار مؤتمر سان فرانسيسكو؟
في 24 نيسان 1945 عقد المؤتمر المنشئ للأمم المتحدة، ودام شهرين. بعد أيام قليلة من انتصافه كانت حادثة العدوان. ولم تكن تلك الحادثة منفصلة عن التنافس البريطاني الفرنسي الشرس على سورية، ذلك التنافس الذي تعود أسبابه المباشرة الى دخول القوات البريطانية سورية من جنوبها صيف 1941، وفي معيّتها قوات الجنرال ديغول، ايّ فرنسا الحرة. كانت المهمة مطاردة قوات حكومة فيشي. في ذلك الوقت، تبلورت لدى فرنسا فكرة انّ لها الحق في ان تكون المتفوّقة عسكرياً وسياسياً على بريطانيا في سورية، فهي الدولة المكلفة بالانتداب، وكانت الحقائق على الأرض تقول العكس. توترت الأجواء بين الدولتين الاستعماريتين، لا سيما منذ بدء تشكل جامعة الدول العربية برعاية بريطانية. كانت فرنسا ترى انّ مشروع الجامعة انما هو سحب لنفوذها من سورية ولبنان. اشتدّ شعور فرنسا بالخسارة منذ توقيع ميثاق جامعة الدول العربية، في آذار 1945. تصاعدت استفزازاتها العسكرية والسياسية، وتوّجت بإدخال مزيد من القوات السنغالية العاملة في إطار جيش الشرق. وجيش الشرق هذا لا يزال موجوداً حتى الآن، وهو يضمّ جنوداً من غير الفرنسيين، وبخدمتهم فيه تمنح لهم الجنسية الفرنسية. الا انّ كلّ ذلك ما كان له ان يقود الى تفجر الموقف لولا البطولة في تنفيذ القرار الوطني، تلك البطولة التي تجسّدت في ما قام به البطل الشهيد عبد الله باش، رئيس حامية المجلس، حين رفض تأدية التحية للعلم الفرنسي، متحدياً بذلك الطلب الفرنسي… وفي خضمّ واقعة العدوان كان أمران لهما اثرهما. الأمر الأول هو إنذار تشرشل الموجه الى ديغول بوقف العدوان وبإعطاء الأوامر للجيش البريطاني بالتدخل لوقفه. الأمر الثاني هو نجاح سعد الله الجابري، رئيس مجلس النواب، في الوصول الى بيروت حيث استطاع ان يكون موضع اهتمام إعلامي عالمي واسع، ترتب عليه تأمين إدانة عالمية واسعة للعدوان استجاب لها مؤتمر سان فراسيسكو الذي شغل بالموضوع. وفي الشروح التي قدّمها فارس الخوري، رئيس الوزراء، أثناء مناقشة التصديق على ميثاق الأمم المتحدة، كلام دقيق عن المدى الكبير من الاهتمام الذي أولاه المؤتمر لحادثة العدوان. ثم انّ فارس الخوري ختم بياناته في المجلس مطالباً بالتصديق على الميثاق، ختمها بكلمات واضحة عن المادة 78، اذ قال إنها: «وضعت خصيصاً من أجل سورية ولبنان».
أعود الى البداية: من المفيد في 29 أيار من كلّ عام، وفي الحدود الموضوعية المبيّنة أعلاه، ان نقول بأنّ دم شهداء البرلمان أسهم في إنتاج المادة 78 من الميثاق. تكاد القرينة تبلغ مقام الدليل الثابت في عالم الدبلوماسية الذي تقلّ فيه الأدلة الثايتة على اثر أحداث معينة في صياغات الوثائق والمواثيق.
وتبقى كلمة واحدة لا أشعر بالارتياح اذ أذكرها وذكرها واجب في كلّ حال… ليس في كتبنا الجامعية المتعاملة مع الامم المتحدة إشارة الى المادة 78 التي عرفني، عام 1964، بأنها «مادة سورية» استاذ في الجامعة الاميركية بواشنطن سبق له ان عمل مع وفد بلاده الى مؤتمر سان فرنسيسكو. أرجو من أساتذتنا الذي يقومون بتدريس الأمم المتحدة لطلابنا الجامعيين، ان يتكبّدوا مشاق الاطلاع على محاضر مجلس النواب ليتأكدوا من كلام بليغ قاله فارس الخوري – هذه المادة وضعت خصيصا من أجل سورية ولبنان -، ولينقلوا هذا القول الى طلابنا. اليس في تعليم طلابنا هذا العلم ما يزيد من اعتزازهم بوطنهم ومواطنيتهم؟ نعم!
الفائدة من الإجابة بالإيجاب واضحة من دواعي الاعتزاز الوطني السوري ان تستطيع حادثة ظلم تعرّض لها السوريون على أيدي المستعمر الفرنسي في الإسهام بإنتاج أثر عالمي تمثل في المادة 78 من ميثاق الأمم المتحدة. أذكر هنا انّ مواطني جنوب أفريقيا يشعرون بالاعتزاز لأنّ الأمم المتحدة اختارت يوم مذبحة شاربفيل يوماً عالمياً للقضاء على العنصرية. والأمثلة المشابهة كثيرة. ثم انّ من الطبيعي ألا نبالغ في أهمية الأمر الذي أخصص له هذه الأسطر، إلا انّ تذكره في يوم 29 ايار من كلّ عام يُشعِر السوريين بمزيد من الارتياح الى النتيجة الإيجابية التي وصلوا اليها بسبب وقوف العالم معهم في مواجهة العدوان الفرنسي.
وألاحظ من البداية انّ القول بوجود علاقة بين العدوان على مبنى مجلس النواب وبين المادة 78 انما يعتمد على القرائن. ليس بين أيدينا ما يشبه ان يكون وثيقة رسمية بهذا الشأن. ليس بين أيدينا مذكرات شخصية من السوريين الذين شاركوا في صياغة الميثاق تتحدّث عن اثر 29 ايار في إنتاج المادة 78. اما الجهد البحثي المطلوب لتعميق القرائن فلم يبذل بعد، ولعلّ من المستحسن ان يبذل، واول الجهد البحثي سهل متوفر هنا في سورية، ألا وهو الرجوع الى جرائدنا اليومية في المكتبة الوطنية. اما أفضل الجهد فهو الرجوع الى وثائق مؤتمر سان فرانسيسكو، ولعلها متوفرة ورقياً في احدى المكتبات السورية الرسمية، لأنّ الامم المتحدة كانت حريصة، زمن الورق، على ان تكون وثائقها متوفرة في مكتبة واحدة على الأقلّ في كلّ دولة من الدول الأعضاء. ومن المرجح انّ عودتنا الى وثائق سان فرنسيسكو متيسّرة على نحو سهل في زمننا الالكتروني. الأسئلة التي ينبغي على الباحث الوصول الى إجابات عنها هي التالية: هل كان ثمة أصل للمادة 78 في مشروع الميثاق الذي وزع قبل المؤتمر؟ من صاغ المسودة الاولى للمادة؟ هل هو الوفد السوري، ولا سيما منه الدكتور فريد زين الدين؟ هل عارضت فرنسا بجدية صيغة المادة؟
أما الجهد البحثي الذي قمت به، والذي أدّى الى تولد القرينة، فهو مراجعتي لمحاضر جلسات مجلس النواب لدى مناقشة المجلس مسألة المصادقة على الانضمام الى منظمة الأمم المتحدة. شغلت تلك المناقشات اياماً في النصف الثاني من آب 1945.
ماذا تقول المادة 78؟ النص كما يلي: «لا يطبق نظام الوصاية على الأقاليم التي أصبحت أعضاء في هيئة الأمم المتحدة، إذ العلاقات بين أعضاء هذه الهيئة يجب ان تقوم على احترام مبدأ المساواة في السيادة».
المادة واضحة في هدفها. انها تريد الحيلولة دون تكرار خيبة أمل سابقة أعقبت إنشاء عصبة الأمم عام 1919. وعدت بريطانيا العرب بالاستقلال آنذاك، فاذا بها تقبل ان توضع سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي. خشي السوريون، في ظلّ الأمم المتحدة الناشئة التي ابتدعت نظام الوصاية على الدول الضعيفة، خشي السوريون من ان يتحوّل وضعهم من دولة تحت الانتداب الى دولة تحت الوصاية. ذلك كان أحد الهموم التي رافقت الوفد السوري حين ذهب الى سان فرانسيسكو. ننظر اليوم الى ذلك الهمّ فلا نراه مبرّراً. كانت فرنسا قد أعلنت انتهاء الانتداب، اعلنته رسمياً مرات، بدءاً من صيف 1941. إلا انّ سورية المستقلة الناشئة، المعتادة على مكائد الأقوياء، كانت تخشى من الخطط الخبيثة. كان همّها في سان فرنسيسكو ان توضع في الميثاق، تحصيناً لاستقلالها، فكرة كالتي تضمّتنها المادة 78.
أين يدخل العدوان على مبنى المجلس في خضمّ المعركة الدبلوماسية السورية ضمن إطار مؤتمر سان فرانسيسكو؟
في 24 نيسان 1945 عقد المؤتمر المنشئ للأمم المتحدة، ودام شهرين. بعد أيام قليلة من انتصافه كانت حادثة العدوان. ولم تكن تلك الحادثة منفصلة عن التنافس البريطاني الفرنسي الشرس على سورية، ذلك التنافس الذي تعود أسبابه المباشرة الى دخول القوات البريطانية سورية من جنوبها صيف 1941، وفي معيّتها قوات الجنرال ديغول، ايّ فرنسا الحرة. كانت المهمة مطاردة قوات حكومة فيشي. في ذلك الوقت، تبلورت لدى فرنسا فكرة انّ لها الحق في ان تكون المتفوّقة عسكرياً وسياسياً على بريطانيا في سورية، فهي الدولة المكلفة بالانتداب، وكانت الحقائق على الأرض تقول العكس. توترت الأجواء بين الدولتين الاستعماريتين، لا سيما منذ بدء تشكل جامعة الدول العربية برعاية بريطانية. كانت فرنسا ترى انّ مشروع الجامعة انما هو سحب لنفوذها من سورية ولبنان. اشتدّ شعور فرنسا بالخسارة منذ توقيع ميثاق جامعة الدول العربية، في آذار 1945. تصاعدت استفزازاتها العسكرية والسياسية، وتوّجت بإدخال مزيد من القوات السنغالية العاملة في إطار جيش الشرق. وجيش الشرق هذا لا يزال موجوداً حتى الآن، وهو يضمّ جنوداً من غير الفرنسيين، وبخدمتهم فيه تمنح لهم الجنسية الفرنسية. الا انّ كلّ ذلك ما كان له ان يقود الى تفجر الموقف لولا البطولة في تنفيذ القرار الوطني، تلك البطولة التي تجسّدت في ما قام به البطل الشهيد عبد الله باش، رئيس حامية المجلس، حين رفض تأدية التحية للعلم الفرنسي، متحدياً بذلك الطلب الفرنسي… وفي خضمّ واقعة العدوان كان أمران لهما اثرهما. الأمر الأول هو إنذار تشرشل الموجه الى ديغول بوقف العدوان وبإعطاء الأوامر للجيش البريطاني بالتدخل لوقفه. الأمر الثاني هو نجاح سعد الله الجابري، رئيس مجلس النواب، في الوصول الى بيروت حيث استطاع ان يكون موضع اهتمام إعلامي عالمي واسع، ترتب عليه تأمين إدانة عالمية واسعة للعدوان استجاب لها مؤتمر سان فراسيسكو الذي شغل بالموضوع. وفي الشروح التي قدّمها فارس الخوري، رئيس الوزراء، أثناء مناقشة التصديق على ميثاق الأمم المتحدة، كلام دقيق عن المدى الكبير من الاهتمام الذي أولاه المؤتمر لحادثة العدوان. ثم انّ فارس الخوري ختم بياناته في المجلس مطالباً بالتصديق على الميثاق، ختمها بكلمات واضحة عن المادة 78، اذ قال إنها: «وضعت خصيصاً من أجل سورية ولبنان».
أعود الى البداية: من المفيد في 29 أيار من كلّ عام، وفي الحدود الموضوعية المبيّنة أعلاه، ان نقول بأنّ دم شهداء البرلمان أسهم في إنتاج المادة 78 من الميثاق. تكاد القرينة تبلغ مقام الدليل الثابت في عالم الدبلوماسية الذي تقلّ فيه الأدلة الثايتة على اثر أحداث معينة في صياغات الوثائق والمواثيق.
وتبقى كلمة واحدة لا أشعر بالارتياح اذ أذكرها وذكرها واجب في كلّ حال… ليس في كتبنا الجامعية المتعاملة مع الامم المتحدة إشارة الى المادة 78 التي عرفني، عام 1964، بأنها «مادة سورية» استاذ في الجامعة الاميركية بواشنطن سبق له ان عمل مع وفد بلاده الى مؤتمر سان فرنسيسكو. أرجو من أساتذتنا الذي يقومون بتدريس الأمم المتحدة لطلابنا الجامعيين، ان يتكبّدوا مشاق الاطلاع على محاضر مجلس النواب ليتأكدوا من كلام بليغ قاله فارس الخوري – هذه المادة وضعت خصيصا من أجل سورية ولبنان -، ولينقلوا هذا القول الى طلابنا. اليس في تعليم طلابنا هذا العلم ما يزيد من اعتزازهم بوطنهم ومواطنيتهم؟ نعم!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق