الثلاثاء، 8 فبراير 2011

اللغة العربية والنزعات الانفصالية في الوطن العربي


مداخلة

الدكتور جورج جبور

في ورشة عمل أقامتها مجموعة أبحاث المشروع

القومي في هيئة الأبحاث القومية: 6/2/2011

 

أولاً : تقديم:

من المفيد أن القيادة القومية تيقظت لأهمية الموضوع الذي سررت إذ دعيت إلى الاشتراك في مناقشته. وكنت، منذ عام 1975، عالجت جوانب منه في محاضرات ألقيتها على طلبة الماجستير في العلوم السياسية، ضمن إطار معهد البحوث والدراسات العربية، وظهرت هذه المحاضرات كتاباً أصدرته وزارة الثقافة السورية عام 1976.

في الورقة الخلفية لعنوان الورشة إشارة إلى السودان.

قبل السودان كانت ثمة إشارات شتى. لم نلتقطها. قد كانت أمور لم نحن فيها محمودين، كما في تعديل طفيف لمأثورٍ عن الإمام علي. وفي المأثور عنه أيضاً: عفا الله عما مضى.

أعالج، باختصار شديد، مواضيع ثلاثة في صلب عمل الورشة عن اللغات المحلية، والعامية، والحرف، وأختم بملاحظات في اللغة الدستورية العربية.

ثانياً: اللغات المحلية:

حين تُشَجَّع اللغات المحلية بدعم من الخارج فمعنى ذلك تشجيع نزعة انفصالية قوامها المتكلمون بتلك اللغة. هذا ما يراه معظم القوميين العرب. يؤخذ على هذا الرأي، الصحيح بمجمله، أن تشجيع اللغات المحلية بدعم من الخارج قد يكون بدافع علمي بريء من مظنة تشجيع الانفصال. إلا أن البحث في الدوافع مستعصٍ في أحيان كثيرة. ما العمل إذن؟ لدى استعصاء استخدام معيار البحث في الدوافع ينبغي النظر بمعيار النتيجة. وفي نظري أن نتيجة التشجيع الخارجي للغات المحلية تشجيع النزعة الانفصالية إلا إذا استطاع الداعم الخارجي إثبات العكس.

ثم إن للأمر ما يقابله. تشجيع اللغات المحلية مستحسن بمقتضى الاتفاق الدولي الخاص بالتنوع الثقافي وبمقتضى الوثائق الملزمة الخاصة بحقوق الإنسان. فلنقل إذن وبوضوح أن الدعم الداخلي للغات المحلية مستحسن، وأنه – في المحصلة – يصب في تيار إحباط النزعة  الانفصالية. ويشهد تاريخ الحضارة العربية أنها لم تقمع اللغات المحلية، بل هي استفادت منها وأخذت عنها.

ما سبق يتطلب منا، في التطبيق، إنشاء خارطة للغات المحلية. وأرى أن من واجب هيئة الأبحاث القومية التي دعتنا إلى هذه الورشة، أن تنشئ هي ذاتها هذه الخارطة.

وفي انتظار الخارطة المرجوة أتقدم بتصنيف عملي ثنائي للغات المحلية بمعيار إمكان احتضان تلك اللغات لنزعة انفصالية.

ثمة أولاً لغات محلية ليس بإمكانها احتضان نزعة انفصالية لقلة عدد المتكلمين فيها و/أو لتوزع المتكلمين فيها جغرافياً و/أو لفقرها. ضمن هذه اللغات ما يرى كثيرون أنها لهجات من لغة عربية أقدم وآصل. بذلك أشير إلى الآرامية والسريانية والهيروغليفية. وإشارتي ليست على سبيل الحصر. هنا تبرز مسألة أخرى: هل يؤمن أصحاب هذه اللغات، المدعوة لهجات، أنها عربية؟ فإن لم يؤمنوا بذلك، فكيف السبيل إلى هدايتهم؟ ثم هل من الضروري هدايتهم إلى ”الإيمان الحق”؟ أجيب عن السؤال الثاني: ليس ذلك ضرورياً. ولا بأس بأن ندعو لغات ما نراه لهجات إذا كان ذلك يروق لمتكلمي تلك اللغات – اللهجات.

ثم إن اللغات المحلية التي ليس بإمكانها احتضان نزعة انفصالية لا تقتصر غلى اللغات – اللهجات المنبثقة من لغة عربية أقدم وآصل. ثمة في سورية الأرمنية والشركسية وغيرهما. وفي الأرجح ثمة لغات لها وضع مماثل في أقطار عربية أخرى.

هذه اللغات المحلية كلها، التي يجمع بينها أنها لا يمكن أن تحتضن نزعة انفصالية، ينبغي أن تُشَجّع من الداخل. واجب الحكومات العربية الواضح الحيلولة دون قمع هذه اللغات، وبذل المزيد من الاهتمام لصيانتها واحترامها. ولأقل ببساطة شديدة جداً من منطلقي القومي: كما أنني أكره أن يكتب تاريخنا مستشرق، كذلك أكره أن تكون في الغرب مؤسسات للعناية بالسريانية (مثلاً) وأن نهمل في قطرنا تلك العناية.

آتي إلى الجزء الثاني من التصنيف العملي الثنائي للغات المحلية. ثمة لغات محلية بإمكانها احتضان نزعة انفصالية. أهم هذه اللغات اثنتان: الكردية في العراق وسورية. وللكردية أيضاً متكلمون، وإن قلة، في أقطار عربية أخرى. والأمازيغية في أقطار المغرب العربي ولا سيما في الجزائر والمغرب.

فأما الكردية فهي ليست من اللغات التي يمكن أن توصف بأنها لهجة عربية. ثم أن الأكراد كانوا قد وعدوا بدولة قبل نحو من قرن، وكانوا أقاموا دولة أواخر النصف الأول من القرن العشرين. ولديهم الآن إقليم في العراق له من خصائص الدولة أكثر مما لأي إقليم أو منطقة في العراق. ليس من المنطقي أن أعالج هنا الموضوع الكردي. أكتفي بأنني أقول عنه، منذ عقود، وبالتحديد منذ قرأت محاضر محادثات الوحدة الثلاثية عام 1963، مقتبساً تعابير وردت في مقدمة البيان الشيوعي، أكتفي بأن أقول عنه: ثمة شبح يجول في منطقة الشرق الأوسط اسمه المسألة الكردية. شبح بالغ الأهمية، يبحث عمن يعتني به العناية اللائقة. وأختم حديث الاكتفاء بتمنٍ: حبذا لو تعقد هيئة الأبحاث القومية ورشة عمل عاجلة تضم مشاركين من مختلف الأقطار العربية، وفي الطليعة العراق، للتباحث في موضوع مؤتمر القمة العربية المقبل المفترض أن يعقد في بغداد أواخر آذار المقبل([1]). ما علاقة اللغة الكردية بالمؤتمر؟ في المتداول أن المكان الأكثر أمناً في العراق هو أربيل، عاصمة الأقليم الكردي. في المتداول أن المؤتمر، قد يعقد هناك. ومما يرد إلى الذهن أن الكردية قد تتآخى مع العربية في بعض ما قد يُسمع في المؤتمر.

أما النزعة الأمازيغية فهي أقل تموضعاً مكانياً مقترناً بصفات الدولة من النزعة الكردية. ومن المفيد أن اهتمامنا بها أثبت لها صلة قربى بالعربية. إلا أن من الثابت أن عدداً لا بأس به من الأمازيغ ينكر هذه الصلة. وفي كل حال، وفي وصفة سريعة أقول: علينا أن نهتم بمطالب الأمازيغ لكي لا تزداد تطرفاً. وعلينا في الوقت نفسه أن نمارس المزيد من القدرة الاقناعية عن طريق العلم الدقيق لكي يزداد عدد المؤمنين بصلة القربى بين الأمازيغية والعربية.

بَدَأتُ كلمتي في هذا الجزء من البحث بحديث عن تشجيع الخارج للغات المحلية بهدف تشجيع النزعات الانفصالية. ولكي أقدم صورة أكثر توازناً عما يجري في العالم بهذا الشأن، ولا سيما منذ أن تفاقمت العولمة بشقيها – وأقصد العولمة الأمريكية والعولمة المناهضة للأمركة – مع اختفاء الاتحاد السوفيتي، فإنني أقول أن النزعات الانفصالية على أساس اللغة أمر يزداد انتشاراً في كل مكان من العالم، بما في ذلك أوروبا. وحين أقول أوربا فإنما أنفي بذلك أن يكون هناك تشجيع خارجي لنزعة انفصالية معتمدة على لغة محلية. ليس للباسكيين ولا للكوريسكين (مثلاً) مشجعون خارجيون معروفون متفق على هويتهم وعلى نيتهم. النزعات الانفصالية المعتمدة على اللغة ليست كلها نتيجة تآمر. صحيح أن التآمر جلي في بعضها، إلا أنه في بعضها الآخر، اشتقاق طبيعي من مبدأ القوميات الذي يمكن أن نؤرخ له بصلح وسنفاليا عام 1648.

ثالثاً: العامية:

حديث العامية يطول، وله عندي حدان، أول الحدين: لا يمكن القضاء على العامية. وُجِدَت العامية منذ زمن طويل. لم تستطع إلغاء الفصحى وليست في سبيلها لتفعل. منتشرةٌ هي، لكن التوسع في استخدام الفصحى الوسيطة، وهو أمر جارٍ، يحد من نفوذها. ثاني الحدين: الإغراق في تقعيد اللهجات المحلية أمر لا يحظى بالرضى العام. التقعيد من نطاق العلم، والاهتمام بحد أدنى منه مقبول. أما الاغراق فيه فقد يفصح عن بواعث يرى فيها البعض ما يثير تساؤلاً عن النوايا.

أعلم أن وزارة الثقافة السورية لا ترحب في مراكزها الثقافية بشعر الزجل، إلا استثناء.وأعلم ما اتخذ مجمع اللغة العربية بشأن العامية من إجراء. وأعلم أن موضوع العامية يثير، ما يزال، النقاش الحاد في معظم الدول العربية، ولعل سورية هي المكان الأكثر هدوءاً وعقلانية في النقاش المنتشر. وهي أيضاً – فيما أقدر – الأكثر تمسكاً بالفصحى.

ثم إن علينا ألا نشعر بضرورة أن تكون الحماسة للعامية نتيجة تآمر خارجي أو داخلي. أصنف نفسي من المتحمسين للفصحى، ولكنني لا أبالغ في محاولة الحد من العامية، وأعلم أن لكل لغة عاميتها إلى جانب فصحاها، وأن كثيراً من الالفاظ العامية مشتق من الفصحى، وأن الكثير منها أيضاً قابل لأن يُفَصَّح أو يُفَصْحَن. وأرى أن وسائل الإعلام العربية، إن نَبُهَت أو نُبّهَت، بإمكانها أن تقودنا إلى عربية هي فصحى وسيطة أشعر شخصياً بأنها مؤهلة لتكون عابرة للأقطار العربية كافة.

هذا وينبغي أن أذكر أن قواميساً للعامية تصدر دورياً في بعض الدول. ولم يصل إلى علمي أن ثمة تحفظات على هذه ”العادة”.

أما بالنسبة للعامية في شركات الحواسيب العالمية وما يتم تبنيه في نوافذ الترجمة الالية الحديثة، وهي ما تشير إليه الورقة الخاصة بالوررشة فأمر التعليق عليه ومعالجته ليس عندي، لأنني لست على دراية كاملة بهذا الموضوع.

رابعاً: الحرف العربي:

كانت التجربة الأكبر في هجران الحرف العربي هي تلك التي أقدم عليها أتاتورك ضمن إجراءات ”عصرنة” تركيا. شملت تلك التجربة شؤوناً دينية مثل منع المناداة إلى الصلاة بندائها العربي المعهود: الله أكبر. ترجمت السلطة النداء إلى التركية، لم تُعدْه إلى أصلة العربي إلا عام 1950، عهد عدنان مندريس.

منذئذ أخذت تركيا، وبالتدريج، وبخطوات ليست دائماً إلى الأمام، تعود إلى إرثها الحضاري، وفي طليعته الديني. هل لنا أن نأمل في العودة إلى الحرف العربي بعد توطد الاتجاه التركي الجديد في الاعتزاز ببعض مظاهر الإرث الحضاري؟

ورد إلى الذهن هذا السؤال فلم أشأ قمعه.

ثم فلأذكر هذه الحادثة. ذات يوم أتصل بي هاتفياً من طاجكستان، بين روسيا والصين، صديق كان مرافقاً لي في إحدى زياراتي إلى الاتحاد السوفيتي. جاء اتصاله بعد انفصال طاجكستان عما كان الاتحاد السوفيتي. سألني إمداده بكتب عن اللغة العربية. عاود الاتصال في اليوم التالي ليقول بأسف: لقد تقرر استعمال الحرف اللاتيني.

كيف نوازن بين جمالية الحرف العربي وجمالية الحرف اللاتيني؟ وبين عمليتهما؟ ذلكم سؤال مطروح قد أعود إليه في أيام قادمة.

خامساً: ملاحظات في اللغة الدستورية العربية وإرتساماتها الواقعية:

1- ثمة لا ريب علاقة بين إضعاف العربية وبين تشجيع النزعات الانفصالية. عرفت سورية هذه العلاقة حين أصدرت فرنسا دساتير 14/5/1920 وفي عدادها دستوران فرضا على دولتي جبل العرب وجبال الساحل. وكان الهدف من إنشاء هاتين الدويلتين تشجيعهما على الانفصال. وردت في دستوري الدويلتين مادة موحدة رقمها /10/ ونصها كما يلي:

”اللغتان العربية والفرنساوية هما اللغتان الرسميتان”

كذلك عَرَفَتْ دساتير عدة دول عربية كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي، عرفت مواداً تنص على مكان خاص للفرنسية إلى جانب العربية. وبإمكان من يشاء الاستزادة النظر في كتابي: العروبة والإسلام في الدساتير العربية (طرابلس لبنان، جروس برس، ط/3/ 1995، ص 34 – 37).

2- كانت سورية رائدة في تكريس دستورية تعبير أثير لدى فكرها السياسي هو تعبير الأمة العربية. دستور عام 1950 بدأ هذا التقليد الدستوري. اقتدت بالسابقة الدستورية السورية كل من الأردن (1952) ومصر (1956) والعراق (1958) وتابعتها دساتير عربية أخرى يتجاوز عددها نصف المجموع.

ومن الطريف أننا لا نجد ذكراً لهذه الريادة في كتب كليات الحقوق السورية الخاصة بالدساتير. كذلك لم تستجب وزارة التربية إلى مذكرة رسمية تحمل توقيعي وَجَّهتها إليها عام 1990 رئاسة مجلس الوزراء، وتطالبها بأن تلحظ الريادة السورية في الكتب المدرسية. أَعَدْتُ توجيه المذكرة أواخر عام 2010 ولم استلم حتى الآن إجابة مكتوبة، وإن كان أحد العاملين في الوزارة قد أعلمني شفهياً أنه تمت الاستجابة إلى ما طلبت. أذكر هذا الأمر بالتفصيل لأن من واجب مسؤولينا الحفاوة بالاقتراحات الإيجابية وبأصحابها، لا تجاهلهم. بمثل هذا الاعتراف يكون المسؤول مسؤولاً حقاً، جديراً بمنصبه، مساهماً في التقدم.

تَلقّى تعبيرُ الأمة العربية في توسعه الدستوري صدمتين. كانت الصدمة الأولى عام 1977 مع زيارة الرئيس السادات إلى القدس . منذ ذلك التاريخ توقف توسع التعبير، على حد ما تابعت. أما الصدمة الثانية فكانت عام /2004/ حين بَدَأتْ في العراق تقاليد دستورية تتراجع عن تبني التعبير. أثرت هذا الأمر في مجلس الشعب يوم 16/2/2004 مطالباً المجلس أن ينافح عن السابقة الدستورية السورية. تابع الأمر علناً السيد عمرو موسى، أمين عام جامعة الدول العربية، ونجح في إقناع السلطات العراقية بأن ينص الدستور على حقيقة تاريخية هي أن العراق عضو مؤسس في جامعة الدول العربية. هكذا أصبحت عروبة العراق من طبيعة سياسية، بعد أن كانت، منذ الثورة العراقية عام 1958، من طبيعة قومية.

3- ثمة تعابير دستورية أثيرة لديّ ولدى القوميين العرب، تحفل بها أدبياتنا السياسية البعثية ولا سيما في القطر العربي السوري. أهم هذه التعابير ثلاثة: الأمة العربية، القومية العربية، الوطن العربي. بل لعلها أربعة: الشعب العربي. في أدبياتنا البعثية كان يمتنع القول، ذات عهد في تاريخنا المعاصر، الشعب السوري، أو حتى: الشعب العربي السوري. كان علينا، بمقتضى ما رأيناه دعماً لعقيدتنا البعثية، أن نقول: الشعب العربي في سورية. وبالنسبة لي شخصياً فقد اقترحت، بدءاً من عقد معاهدة السادات – بيغن، بأن تطالَبَ الدول العربية كافة بتعديل دساتيرها لكي يتم النص فيها على انتماء شعب كل دولة منها إلى الأمة العربية (انظر مقال: لو كنت مكان الشاذلي التلبي وأمامي مؤتمر قمة عربي، مجلة المستقبل الباريسية الأسبوعية المحتجبة 10/11/1980). كان ذلك إشارة إلى رفض الأمة العربية لانفراد مصر السادات، وإلى الواجب العربي المشترك في مناهضة الصهيونية وعنصريتها.

أتأمل الأمور الآن بعد نيف وثلاثين عاماً من دعوتي تلك، فأتساءل: أين نحن الآن؟ أكتب وثورة مصر تدخل أسبوعها الثالث (بدأت في 25/1/2011 وأكتب في 8/2/2011). هل ستعطي ثورة شباب مصر حياة جديدة لتلك الدعوة؟ هل سيثور الشباب على كامب-ديفيد في متابعة لثورتهم على الرئيس مبارك؟ ذلك ما آمله وأرجو أن تأتي به الأيام.

أتأمل الأمور الآن بعد نيف وثلاثين عاماً. تغيرت اللغة السياسية والدستورية العربية. أصبح لازمةً الاحتفاءُ بالتعددية في جميع أنواعها: الاثنية واللغوية والثقافية والدينية. وتطورت التعددية انفصالاً أعلن رئيس السودان أمس قبوله. تبذل الحكومات العربية جهوداً هائلة لتشجيع فكرة المواطنة بما تعنيه هذه الفكرة من احتضان الجميع على قدم المساواة. هل من المحتم، بالمنطق، أن يتحول الاحتفاء بالتعددية انفصالاً؟ أم هل بالإمكان ترسيخ انسجام موجود بين الثقافة القومية والثقافات المحلية، وخلقه إن لم يكن موجوداً؟ تلكم أسئلة عالجتها عام 1977 في بحث خاص عنوانه: الثقافة القومية والثقافات المحلية: تناقض أم انسجام؟ وكانت مناسبته أوضاع لبنان في ضوء حرب أهلية خبرها منذ عام 1975.

هل تتناقض فكرة القومية العربية مع فكرة المواطنة؟ وإلى أي حد؟ تترافق فكرة القومية العربية مع مشروع هائل جوهره إقامة كيان كبير. يبتعد هذا المشروع الذي لم يُقَيّض له أن يخدمه بإخلاص معظم المنادين به. ويبقى مع ذلك مشروعاً يستمد شرعيته من ضمائر كثيرين. أما فكرة المواطنة، فالهم الأكبر فيها صيانة الدولة الراهنة من التشرذم.

في ما ورد إجابة أو بعض إجابة عن أسئلة. إلا أن الأسئلة تتدفق، ولديها قدرة على جرف كثير من الإجابات. والمطلوب الأول في أيامنا هذه تملُّكُك شجاعة فكرية في طرح السؤال وفي الإجابة عنه.

تلكم نقاط أثارها في الوجدان موضوع ورشة عملنا هذه. أختم بشكر مَنْ اقترح ومن بادر ومن نفذ ومن شارك. واعترف بأن إفادتي من المداولات كانت أعمق مما توقعت.


[1] - كُتِبَ هذا الكلام في 8/2/2011. ثم في 12/2/2011 أكدت سورية دعم عقد القمة العربية على أرض العراق. في كل حال يبقى واجب الهيئة قائماً من حيث ضرورة الاهتمام بكل قمة عربية.