الاثنين، 23 سبتمبر 2013

الكلمة الاخيرة قبل الاغتيال



الساعة الثامنة والنصف صباح الاثنين 23 ايلول  2013

الكل يحذر ويبالغ في التحذير. أنت مستهدف. انتبه. لا تتحرك. لا تصرخ. لا تعبر عن رأي. لا تتنقل. قد يستهدفك الحكم لكي يثبت أن المسيحيين مستهدفون. بالطبع سوف يتهم المعارضة باغتيالك. قد يستهدفك مسلحو المعارضة، فأنت من أركان الحكم!

وماذا إن اغتيل من بلغ الخامسة والسبعين؟ إن كان فيه خير لنفسه ولمجتمعه، فقد كان لديه الوقت الكافي ليظهره. الاغتيال عملية سهلة تنقذ الشخص من أمراض الشيخوخة القادمة.

منذ تشرين الثاني 2012 لم أت إلى صافيتا. يقولون: الطريق غير آمن. حين توجهت إلى البولمان  تمثلت بقول المتنبي:
وانى شئت يا طرقي فكوني  ا نجاة او أداة أو هلاكاً

إلا أن الرحلة مضت بهدوء قاتل. ما أدهشني في صافيتا أن الكل يسأل: ما حال الطرقات؟ هل شاهدت حوادث في الطريق؟ لا يود أحد أن يصدق أن كل شئ على ما يرام!

الكل يحذر. أكتب هذه الكلمات قبل السفر عائداً إلى دمشق. سيقولون: هذا آخر ما كتب قبل أن يستشهد!

                                                                           جورج جبور

الخميس، 15 أغسطس 2013

الإشكال بين الأخوة في الدين وبين المساواة في المواطنة



مائة عام على معهد الحقوق العثماني فالعربي فكلية حقوق جامعة دمشق:
 1913 – 2013
فضيلة الشيخ علي الطنطاوي وأستاذه العلامة فارس الخوري:
الإشكال بين الأخوة في الدين وبين المساواة في المواطنة

                    الدكتور جورج جبور
                                                   رئيس الرابطة السورية للأمم المتحدة
                                                     وسابقاً أستاذ محاضر في الدراسات العليا
                      بكلية حقوق جامعة حلب

(1)
في 6/10/2013 تَبَلَّغَت بيروت فرماناً سلطانياً ينقل إليها معهد الحقوق العثماني الذي كانت تحتضنه سالونيك. في وقت لاحق أصبح المعهد العثماني عربياً. انتقل إلى دمشق بعد الحرب العالمية الأولى، وفتح أبوابه للتدريس في 15/9/1919 تحت اسم جديد: معهد الحقوق العربي، ثم في 15/6/1923 أنشئت الجامعة السورية، وفي وقت لاحق أصبح المعهد كلية الحقوق في الجامعة السورية التي أعيدت تسميتها أيام الوحدة فأصبحت جامعة دمشق.

بين المؤتمر العربي الأول في باريس (18/6/1913) الذي عقد في قاعة الجمعية الجغرافية، وبين إنشاء معهد للحقوق في بيروت صلة نسب. يعود الفضل في نقل معهد الحقوق العثماني من سالونيك إلى مطالبات ملحة قام بها أبناء بلاد الشام لإنشاء معاهد عليا في بلادهم. تجذرت هذه المطالبات في المؤتمر العربي الأول. وهكذا لا نجد مؤرخاً لمعهد الحقوق في بيروت يغفل أثر المؤتمر في إنشائه.

على أساس هذه الخلفية عزمت على إلقاء محاضرة في دمشق يوم 18/6/2013، في ذات اليوم الذي فيه انعقد المؤتمر قبل مائة عام، تحت عنوان: "دراسة الحقوق وتدريسها: ذكريات وتأملات". ثم كانت ظروف سفر اضطرتني إلى التأجيل.

وكبديل عن الكلام أخط الآن هذه الأسطر،لأسجل عبرها بعض ما كنت أعتزم الحديث فيه. وقد تكون لي عودة إلى مزيد من الكلام المسطور في مقال لاحق. 

(2)
منا  من يجتهد فيدون مذكراته ، ومن  يفعل يحظى بشكر اللاحقين. من هذه القلة المجتهدة فضيلة الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله. ابن دمشق هو. وكتب عنها الكثير المفيد. غادرها وأقام في السعودية حيث أتاحت له الظروف إمداد عاشقي أسلوبه بإنتاج غزير.

كان له في دمشق حديث أسبوعي في إذاعتها أتابعه كما أتابع مقالاته في الصحف الدمشقية. يأسرني أسلوبه. لا أملك قطع الاستماع إليه أو وقف قراءة مقالاته. ثم كانت لي زيارة إلى السعودية. تجاور سوريان في الطائرة فتعارفا وتحادثا، وشاءت الصدف أن يكون الشيخ الطنطاوي أحد محاور الحديث. تبرّع السوري المقيم في السعودية بإهدائي نسخة عن مذكرات الشيخ. استهوتني. وهذه الأسطر تعتمد على جزئها الثاني علماً أنها تقع في ثمانية أجزاء يقارب مجموع صفحاتها الثلاثة آلاف، وقد طبعت عام 1985. وكانت قد ظهرت على حلقات في جريدة الشرق الأوسط.

أقف عند مذكرات الشيخ عن كلية الحقوق التي قبل بها طالباً في 4/11/1930. ثمة حلقة عنوانها: "ذكريات عن الأساتذة والمشايخ" (163 - 173)، وأخرى عن "ذكريات عن الجامعة والامتحانات" (175 - 183)، وثالثة عن "فارس الخوري" (185 - 195).

مفيدة هذه الفصول لكلية حقوق جامعة دمشق التي أعلن عميدها، صديقنا الدكتور محمد واصل، عبر مقابلة في جريدة الثورة (16/7/2013) بأن احتفالاً سيقام بمناسبة مائة سنة على ولادة الكلية.

وقف الشيخ الطنطاوي عند بعض أساتذته. عرّفنا بعالم منهم مفتي الشام  هو الشيخ الدكتور أبو اليسر عابدين، سليل مؤلف "حاشية ابن عابدين" الشهيرة. "كان أستاذاً في كلية الحقوق، فخطر له أن يدرس الطب، ودراسة الطب لا تتم إلا بمعرفة اللغة الفرنسية، فتعلمها وصار طالباً نظامياً في الطب وهو أستاذ يدرس في الحقوق حتى حاز شهادة دكتور في الطب سنة 1926".. "ترك ثلاثين مؤلفاً فكرياً بخطه رأيتها وكتبت عنها في جريدة الأيام الدمشقية في 18/5/1961. ما طبع منها إلا واحداً هو كتاب "أغاليط المؤرخين" (ص169)". ومن أساتذته سعيد محاسني "وهو أقدر محامٍ عرفته الشام ومصر في الدعاوى المدنية" (ص169).... وكان أستاذ مجلة الأحكام العدلية التي صدرت عام 1286 هجرية" (1869م). يصف الطنطاوي درس المحاسني بأنه كان "فياضاً بالفوائد، لاسيما حين يحدث الطلاب عن بعض ما مرّ به من قضايا والتي كان يرافع فيها. وكان إلى علمه الواسع ذكياً من أذكى من عرفته من الرجال...." (ص170).

ويتابع الطنطاوي بأسلوبه السلس حديثه عن أساتذته فيذكر ان  منهم "من كان قائماً بعمله ناجحاً فيه. لا هو بالعالم الظاهر علمه، ولا هو بالجاهل المكشوف جهله. منهم الأستاذ شاكر الحنبلي.... لما أصدر كتاب أصول الفقه وأهداه إلي وجدته يعرض فيه كتاب  المنار عرضاً مفهوماً بأسلوب العصر، لكن ساءني منه أنه سرق من كتاب الشيخ عبد الوهاب خلاف صفحات وصفحات، نقلها كما هي ولم يشر إلى مصدرها. ولم يمنعني كونه أستاذي أن أشير إلى هذه السرقات لما كتبت - كما طلب مني - نقداً للكتاب" (ص170 - 171).

ويتابع الطنطاوي حديثه عن أساتذته فيصف بعضهم بأنه "أقرب إلى الضعف" ولا يسمي أحداً. وينتقل بعدها إلى حديث إعجاب بأستاذ فرنسي اسمه ستيف، وبآخر ذكي كسول هو فايز الخوري. ثم يعود إلى تقييم سلبي للبعض من أساتذته ولا يسمي أحداً (171 - 172). شاكر الحنبلي هو الوحيد الذي قرن الطنطاوي ذكره بصفة سلبية هي سرقته. ولعله فعل ذلك لأنه سبق له أن أشار إلى تلك السرقة في مقال منشور، على حد ما ورد آنفاً. 

(3)
أما أول من يذكر من الأساتذة، قبل كل من وردت أسماؤهم أعلاه، فكان فارس الخوري. به يبتدئ الحديث عن أساتذته كما يلي: "كان الأساتذة طبقات . منهم واحد سأفرد للكلام عنه حلقة هو العالم الشاعر الفحل الخطيب البارع في العربية وفي الإنجليزية رئيس مجلس النواب مرات ورئيس الوزراء وكان رئيس مجلس الأمن مرة، وهو أحد عباقرة العرب في هذا العصر، وأسأل الله أن يكون حقاً ما كتبه عنه من كان ملازمه في مرضه وحاضراً في وفاته من أنه مات  مسلماً وهو فارس بك الخوري" (ص166).

وأفرد الشيخ الطنطاوي حلقة عن فارس الخوري بـ/11/ صفحة ابتدأها كما يلي: "كان أستاذي. استفدت منه. وقدرت فضله. ومدحته. لكن كان آخر مسلم في آخر الأرض أقرب إلي منه!" (التأكيد مضاف).

"هذا الكلام لم أقله الآن. لكن صدعت به على المنبر قبل ثلاثين سنة. فاستأذنني الأستاذ أحمد عسه (وكان يوماً تلميذي) أن ينشره في جريدته فنشرته الجريدة بالخط الكبير (المانشيت) وبالقلم العريض. وكانت إحدى مرات ثلاث ثارت جرائد دمشق كلها عليّ وتبارت في ذمي وشتمي وجرب كل ذي قلم قلمه فيَّ. أما ذنبي الذي لا يغتفر فهو أني (كفرت) بدين الوطنية ودعوت إلى الطائفية وفرقت بين المواطنين بسبب من اختلاف الدين وهم ينشدون كل صباح:
 بلاد العرب أوطاني             من الشام لبغدان
ومن نجد إلى يمن                إلى مصر فتطوان
فلا دين يفرقنا............

لا يفرقنا الدين! أي أنهم يريدون أن يجعلوا الكافرين كالمسلمين، وأن ندعو بدعوة الجاهليين، ندع كلام رب العالمين "إنما المؤمنون إخوة" وننكر أضواء الإيمان ونتمسك برابطة اللسان فيكون أبو لهب وأبو جهل أقرب إلينا من بلال وسلمان... كلا ولا كرامة! قلتها في أول حياتي وأقولها الآن".. (ص185).

ويصف الشيخ حملة الصحف عليه في أسطر ليتابع عن فارس الخوري كما يلي: "أما الذي تكلمت عنه هذا الكلام، فأثار علي أصحاب الأقلام من المسلمين، فرموني بكل جارحة من التهم، وكل قارص من القول ،وهو أستاذنا فارس الخوري،  فقد قابلته في الطريق، فحاولت أن أقول له شيئاً فسبقني فقال لي (بالحرف الواحد):
"لا عليك. لقد  جهرتَ بحكم دينك وهذا ما أكبره فيك ، وجعلتني أقرب  النصارى إليكم وهذا ما أشكرك عليه" (186).

(4)
لا أذكر بالضبط متى عهدت إلي كلية حقوق جامعة حلب بتدريس مقرر "المذاهب السياسية" في قسم الدراسات العليا حين أنشئ ذلك القسم. كان مقرراً اختياريا لطلاب دبلوم القانون العام ودبلوم القانون الدولي. كنت درست المقرر ذاته في كلية حقوق جامعة دمشق على الأستاذ الدكتور الوزير مصطفى البارودي في النصف الثاني من الخمسينات. كان كتابه الفرد والدولة واحداً من أكثر الكتب إثارة للنقاش في قاعات التدريس وخارجها.

تأملت في كيف أهندس الجلسة الأولى مع الطلبة وعددهم يقارب العشرين ممن يعتبرون الأكثر تفوقاً بين زملائهم من خريجي الكلية. ثم استقر رأيي على مفاجأة. صورت على عددهم نسخاً من أولى صفحتي حلقة الشيخ عن الاستاذ الخوري– وهي التي اوردتها سابقا- . وزعتها عليهم. عرفتهم باسمي. عرفتهم بعنوان المقرر. طلبت منهم أن يتمعنوا في النص . طلبت منهم أن يعلّقوا عليه في  مدة لا تتجاوز العشرين دقيقة. حين جمعت ما كتبوا فوجئت. بعضهم لم يكتب شيئاً. معظمهم  أّيَّد ما قاله الشيخ . واحد منهم فقط اعترض وانتقد بحدة. سألته أن يقرأ أمام زملائه ما كتب. وكانت مناقشة معمقة حول  الاشكال بين الاخوة في الدين وبين المساواة في المواطنة،  وحول كيفية  المصالحة بين الامرين .

ما أزال أذكر بغبطة  تلك البداية العرمرمية لمقرر المذاهب السياسية، ويذكرها معي  بعض طلابي . وما أزال أتساءل: هل كان لأمورنا أن تنحدر إلى ما انحدرت إليه من مآسٍ لو أن جامعاتنا - وليس كليات الحقوق فقط - شجّعت النقاش في موضوع إشكال العلاقة بين الأخوة والمواطنة، وفي المواضيع الأخرى ذات الصلة بالشأن العام التي نناقشها الآن بشعارات في الشوارع؟

(5)
في أوائل الشهر العاشر من عام 1913، قبل مائة سنة، كان لنا معهد للحقوق في بيروت. تفصلنا عن المناسبة عدة أسابيع. قد تكون لي عودة إلى ذكريات دراسة الحقوق وتدريسها في مقال مقبل. عودة أتحدث بها عن أمر مجهول ينبغي أن تفاخر به كلية حقوق جامعة دمشق كل كليات الحقوق العربية. جوهر هذا الأمر المجهول سورياً وعربياً وعالمياً أن الخوري الذي كان أستاذاً للشيخ اقترن اسمه بمادة في ميثاق الأمم المتحدة هي المادة /78/ التي كانت تعرف في أروقة مؤتمر سان فرانسيسكو بأنها مادة سورية. في الحديث عن مآثر سورية محاولة لصيانة دماء أبنائها  ولتحصين وحدتيها الوطنية والترابية.

الاثنين، 17 يونيو 2013

الرابطة السورية للأمم المتحدة: كيف تأسست؟ ماذا فعلت؟ ما مستقبلها؟

مذكرات ست من الدكتور جورج جبور

إلى السيد رئيس مجلس الوزراء: 1990 – 1997

 
منذ غزو الرئيس العراقي صدام حسين دولة الكويت، في 2/8/1990، بدأت مرحلة جديدة من تدخل الأمم المتحدة في شؤون المنطقة، انتهت بعمل عسكري هو الأكبر في كل تاريخ المنظمة الدولية، أو على الأقل منذ النزاع الكوري عام 1950. سادت سورية والبلاد العربية والعالم أجواء توتر عنوانه: ماذا ستفعل الأمم المتحدة؟ ما مصير العراق ومصيرنا إن أصبحنا في قبضتها.

ضمن تلك الأجواء اقترحت على اتحاد الكتاب العرب عقد ندوة بمناسبة يوم الأمم المتحدة الذي يصادف الرابع والعشرين من الشهر العاشر من كل عام. عقدت الندوة مساء 29/10/1990 وهذا نص ما ورد في بطاقة الدعوة:
 

            يتشرف اتحاد الكتاب العرب بدعوتكم للاستماع إلى الندوة التي يتحدث بها

 
الدكتور جورج جبور

والدكتور محمد زكريا إسماعيل

بعنوان:

"الأمم المتحدة والسياسة الدولية وما يخصنا كعرب"
 

أثرتُ في الندوة موضوع إنشاء رابطة سورية للأمم المتحدة. تحدث بعدي الدكتور محمد زكريا إسماعيل، وكان لسنوات معاوناً لوزير الخارجية السورية ، فأيد لاقتراح.

في اليوم التالي (30/10/1990) وجّهت إلى السيد رئيس مجلس الوزراء مذكرة أولى لم أبلَّغ بأي أثر لها.

كانت أوفر حظاً مذكرة ثانية مؤرخة في 22/9/1992. عنوانها: يوم الأمم المتحدة: بيان ورابطة. عادت إلي صورة منها مع تأشير رئيس مجلس الوزراء في 29/9/1992 بالإحالة إلى السيد وزير الخارجية. انتهى علمي بمسارها عند ذلك الحد، لم أبلَّغ بأي أثر آخر.

في عام 1993، بمناسبة يوم الأمم المتحدة، ألقيت محاضرة في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة) بدعوة من اتحاد شبيبة الثورة. واستباقاً للمحاضرة وجهّت مذكرة ثالثة إلى السيد رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 3/10/1993 عنوانها: يوم الأمم المتحدة: بيان ورابطة ولجنة للاحتفال بالعيد الخمسيني. عادت إلي المذكرة مع تلخيص قام به المكتب الخاص هذا نصه "مدى وجوب الاهتمام بيوم الأمم المتحدة في 24/10" وانقطع الأثر.

أما المذكرة الرابعة فتاريخها 24/10/1994 وعنوانها: يوم الأمم المتحدة: بيان ورابطة. بعد سنتين صدور بيان وتبقى الرابطة. عادت إلي صورة المذكرة بها تأشيرة شوهد. ثم لا أثر. الا انني، بدهاء غير مؤذ، وزعت هذه المذكرة في 7 تشرين اول 2010  بمناسبة انعقاد الهيئة العامة للرابطة  وعليها هذه الملاحظة: تظهر هذه المذكرة ان الخارجية سمعت كلمتي  بشأن اصدار بيان  ثم بعد عشر سنوات سمعت كلمتي  بشأن انشاء رابطة.

بعد سنتين كانت مذكرة خامسة مؤرخة في 10/10/1996 عنوانها طويل كما يلي: هل بالإمكان التسريع في الحصول على الموافقة اللازمة لكي تبصر النور الرابطة السورية للأمم المتحدة قبل حلول يوم الأمم المتحدة لهذا العام؟ كان مبرر المذكرة ما علمت به شخصياً من أن وزارة الخارجية رفعت إلى القيادة القطرية مذكرة تطلب بها الموافقة على إنشاء الرابطة. لم يأت من هذه المذكرة أثر أعرفه، كما لم أعرف مصير مذكرة الخارجية إلى القيادة القطرية.

ثم كانت مذكرة سادسة في 15/9/1997 نتجت عن تصريح للسيد سميح الصلح قرأته في جريدة النهار بتاريخ 12/9/1997. كان عنوان المذكرة مثيراً وتنبؤياً: المنظمة السورية للأمم المتحدة: هل سيساعدنا اللبناني سمير الضاهر على تأسيسها؟ لم أعرف للمذكرة أي أثر. إلا أنني إذ أكتب هذه الأسطر في 22/5/2013 – استعداداً لندوة الرابطة عن نفسها في 17/6/2013 – وقفت عند جملة ذات دلالة عميقة: "في أحايين كثيرة، عندنا وعند غيرنا، قد يتم الاستماع إلى الغريب دون القريب. تلك خصيصة من خصائص الطبيعة البشرية. ثم إن اللبناني ليس غريباً عن سورية وفيها. إذا حاول إقناعنا الأستاذ الضاهر فإني أسأل الله له النجاح".

وبالفعل كان للأستاذ الضاهر دور في إقناع وزارة خارجيتنا بأمر ابتدأتُ به عام /1972/، ولديّ وثائقه، حين حاولت إنشاء رابطة سورية أو رابطة سورية – لبنانية موحدة. وبالمناسبة فقد أرسل لي الأستاذ الضاهر قبل أيام صورته مع الأستاذ وليد المعلم في وزارة الخارجية السورية.
 

22/5/2013                                                     جورج جبور
 

السيد رئيس مجلس الوزراء

 
الموضوع: رابطة سورية للأمم المتحدة:

عقدت في اتحاد الكتاب العرب مساء الاثنين 29/10/1990 ندوة بعنوان: "الأمم المتحدة والسياسة الدولية وما يخصنا كعرب"، حضرها لفيف من المهتمين السوريين في طليعتهم السيد أنور مريدن. كما حضرها سفيرا مصر والسودان بدمشق.

دعوت في الندوة إلى إنشاء رابطة سورية للأمم المتحدة، وأيّد دعوتي الدكتور محمد زكريا إسماعيل الذي أضاف إلى التأييد استغرابه من تفرد سورية من بين كل الأقطار العربية بخلوها من وجود مثل هذه الرابطة.

أقترح التكرّم بالموافقة على إحالة موضوع إنشاء رابطة سورية للأمم المتحدة إلى اللجنة الثقافية الوزارية و/أ وزارة الخارجية.
 

دمشق في 30/10/1990                                     جورج جبور                                                    
 

السيد رئيس مجلس الوزراء

 
الموضوع: يوم الأمم المتحدة: بيان ورابطة:

يحتفل العالم بيوم الأمم المتحدة في 24/10 من كل عام.

ومناسب إصدار خارجيتنا بياناً عن نظرتنا إلى الأمم المتحدة في دورها الذي يتجدد ضمن أطر معيّنة معروفة.

ومناسب أيضاً إنشاؤنا رابطة للأمم المتحدة أسوة بما عليه الحال في معظم دول العالم وفي عدادها الدول العربية.

وقبل عامين أقام اتحاد الكتاب العرب بهذه المناسبة ندوة تحدثت بها وطرحت فيها فكرة إنشاء الرابطة المرجوة. وتحدث بعدي الدكتور محمد زكريا إسماعيل. الرئيس المناوب لوفدنا في محادثات واشنطن وأيّد الفكرة.

أقترح إحالة هذه المذكرة إلى السيد وزير الخارجية لأخذ العلم والدراسة، واثقاً أن نتيجة الدراسة ستتوج بما دعوت إليه في هذه المذكرة.
 

دمشق في 22/10/1992                                     جورج جبور
 

السيد رئيس مجلس الوزراء

 

الموضوع: يوم الأمم المتحدة (24/10/1993): بيان ورابطة ولجنة للاحتفال بالعيد الخمسيني:

يحتفل العالم بيوم الأمم المتحدة في 24/10 من كل عام.

ومناسب إصدار خارجيتنا بياناً عن نظرتنا إلى الأمم المتحدة في دورها الذي يتجدد ضمن أطر معينة معروفة. ومن الخطير جداً هذا العام أن الجمعية العامة سيطلب منها تغيير بعض قراراتها بشأن إسرائيل، وربما كان ما سيجري مقدمة لكي يغير مجلس الأمن بدوره صياغة قراراته – وإلى القرارين /242/ و/338/ أشير – البيان الذي أرى مناسباً صدوره في 24/10/1993 ينبغي إذن أن يكون على درجة عليا من الجدية والأهمية.

ومناسب أيضاً إنشاؤنا رابطة للأمم المتحدة أسوة بما عليه الحال في معظم دول العالم وفي عدادها الدول العربية.

وأخذت تتشكل في بعض الدول لجان للاحتفال بالعيد الخمسيني لإنشاء الأمم المتحدة (الذي يصادف 24/10/1995) ومن المناسب، على الأقل في صعيد عنايتنا بإعلامنا الخارجي ، إعلاننا إنشاء لجنة لهذا الغرض.

هذا وسأذكر الاقتراحات الثلاثة السابقة في المحاضرة التي سألقيها بمناسبة يوم الأمم المتحدة بالمركز الثقافي العربي بدمشق يوم 24/10/1993.

أقترح إما:

1)     إحالة هذه المذكرة إلى السيد وزير الخارجية لأخذ العلم والدراسة والتنفيذ رغم أنكم تفضلتم في 29/9/1992 بإحالة مذكرة مماثلة إليه، ولم تنتج شيئاً على ما يبدو.

2)     أو:تكليفي مباشرة بالتنفيذ.
 

دمشق في 3/10/ 1993                                        جورج جبور

 

السيد رئيس مجلس الوزراء

 

الموضوع: يوم الأمم المتحدة: بيان ورابطة. بعد سنتين صدر بيان وتبقى الرابطة:

تفضلتم فأحلتم إلى السيد وزير الخارجية، يوم 29/9/1992، مذكرتي بعنوان: يوم الأمم المتحدة:بيان ورابطة وتاريخ 22/10/1992. وأرفع لسيادتكم صورة عنها.

وفي صحفنا اليوم نص بيان ممتاز أصدرته الخارجية بهذه المناسبة.

ويبقى على وزارة الخارجية أن تأخذ الخطوات اللازمة لإنشاء رابطة سورية للأمم المتحدة أسوة بما عليه الحال في معظم الدول العربية وفي معظم دول العالم.

أقترح إحالة هذه المذكرة إلى السيد وزير الخارجية لأخذ العلم والدراسة، واثقاً أن نتيجة الدراسة ستتوج بما دعوت إليه فيها.

  دمشق في 24/10/ 1994                                 جورج جبور
 

السيد رئيس مجلس الوزراء

 

الموضوع: هل بالإمكان التسريع في الحصول على الموافقة اللازمة لكي تبصر النور الرابطة السورية للأمم المتحدة قبل حلول يوم الأمم المتحدة لهذا العام؟

علمت أمس أن وزارة الخارجية السورية قامت بخطوة أدعو منذ ربع قرن للقيام بها، ألا وهي تبنيها لفكرة إنشاء رابطة سورية للأمم المتحدة.

وعلمت بأنه تم رفع كتاب بهذا الشأن من وزارة الخارجية إلى القيادة القطرية.

ولأن القيادة قد لا تعطي للموضوع الأسبقية المناسبة، لذلك فقد رأيت التوجه إليكم راجياً العمل على تسريع الحصول على موافقة القيادة القطرية، ذلك أن يوم الأمم المتحدة إنما يأتي بعد أسبوعين بالضبط (24/10/1996). ومن المناسب جداً لنا – وقد نضجت فكرة إنشاء الرابطة المنشودة – أن نعلن قيامها في الموسم السنوي للدفق الإعلامي عن الأمم المتحدة مستفيدين من هذا الدفق.

دمشق في 10/10/1996                                      جورج جبور

 

السيد رئيس مجلس الوزراء

 

الموضوع: المنظمة السورية للأمم المتحدة: هل سيساعدنا اللبناني سمير الضاهر على تأسيسها:

تتوالى، منذ عام 1972، مذكراتي المنادية بإنشاء منظمة سورية للأمم المتحدة.

وكما ذكرت في كتابي: الأمم المتحدة والسياسة الدولية (دمشق، دار الأنوار، 1994) فقد أثرت الموضوع في مذكرة رفعتها إلى السيد رئيس الجمهورية عام 1972. وناقشتها تفصيلاً مع السيد محمود الأيوبي الذي كان آنذاك نائباً للسيد الرئيس. ونتيجة المناقشة حسبت أن الأمر أصبح قيد التنفيذ. (ص62).

وأقرت الفكرة قبل عامين تقريباً اللجنة السياسية في الخارجية السورية. وجاء إقرارها لها بناء على مذكرة من الأمين العام للأمم المتحدة.

الجديد في هذا الموضوع القديم أن جريدة النهار (12/9/97) نسبت إلى الأستاذ سميح الصلح (وهو شخصية لبنانية بارزة وله صالون سياسي) قوله إن الفيدرالية الدولية لمنظمات الأمم المتحدة عهدت إلى الأستاذ سمير الضاهر رئيس منظمة لبنان للأمم المتحدة "مهمة تأسيس منظمات وطنية للأمم المتحدة في دول الشرق الأوسط". ومن المعلوم أن الأستاذ الصلح هو أمين عام المنظمة المذكورة.

أقرب دولة إلى لبنان هي سورية، ومن المفترض أن الأستاذ الضاهر سيبدأ في دمشق محاولة تنفيذ ما عهد إليه به من إنشاء منظمات وطنية للأمم المتحدة.

ومن يدري؟ قد يستطيع الأستاذ الضاهر إقناعنا بإنشاء المنظمة.

في أحايين كثيرة، عندنا وعند غيرنا، قد يتم الاستماع إلى الغريب دون القريب. تلك خصيصة من خصائص الطبيعة البشرية. ثم أن اللبناني ليس غريباً عن سورية وفيها. وإذا حاول إقناعنا الأستاذ الضاهر فإنني أسأل الله له النجاح. ذلك أن مثل هذه المنظمة مفيدة لسورية.

أرجو التكرم بإحالة هذه المذكرة إلى وزارة الخارجية السورية.      
 

دمشق في 15/9/1997                                      جورج جبور

 

                                                                         (انتهى).

السبت، 27 أبريل 2013

داود حيدو المطمئن العفيف

"من كتاب: داود حيدو: الغائب..الحاضر (دمشق، من منشورات الحزب الشيوعي السوري الموحد، 2013). يقع الكتاب في 320 صفحة ويشغل اهذا لمقال الصفحتين 277 و278."




وطني غيور، عالم اقتصادي، محب للجميع، مطمئن النفس، عفيف اليد. وبما أن العمل الذي من خلاله عرفه الناس أكثر ما عرفوه هو مهمته في مكتب تسويق النفط، فمعنى ذلك أن علينا وضع عفة اليد الأولى بين صفاته.


لا أذكر بالضبط متى عرفت داود حيدو أو متى التقيت به لأول مرة. من المرجح أنني قرأت له بعض مقالاته الاقتصادية أوائل السبعينات من القرن العشرين. من المرجح اننا تعارفنا آنئذ في إطار لجان دأب على تشكيلها الاتحاد العام لنقابات العمال لمعالجة مشاكل في طليعتها هجرة اليد العاملة. إلا أن صداقتي معه انعقدت بعد انتقالي إلى رئاسة مجلس الوزراء عام 1989 بناء على طلب قدمته إلى رئيس الجمهورية سائلاً إياه تغيير مكان عملي، بعد فشلي سنوات في لقائه. استقر رأيي أنه لايصح أن استمر مديراً لمكتب الرئيس للدراسات السياسية والعامة دون أن اتمكن من عرض أفكاري عليه مباشرة ومناقشتها معه.

كان الجو مريحاً في مجلس الوزراء حيث سعدت بصحبة كثيرين من أصدقاء قدامى وجدد. ضمن ذلك الجو توطدت صلاتي بالدكتور داود حيدو. لم أتبين من خلال توطد الصلات وطنيته وعلمه ودأبه وحسب، فقد كانت تلك الصفات مقترنة باسمه، منذ أطل على الحياة العامة. إلا أن التجاور في مكان العمل أضاف إلى صفاته اطمئنان النفس وعفة اليد. هو مطمئن إلى قدرته على القيام بمهمته الدقيقة، وهو يعمل في مجال النفط، تلك الطاقة المطوقة بالأسرار. ما ان يتسرب سر مع قطرة نفط حتى تنفلت من أطواقها الأسرار. إلا أن عفة يده لم تترك فسحة همس لهامس، بل لعلّ عفة يده كمنت وراء قول نسب إلى مسؤول كبير، بل إلى المسؤول الكبير، مؤداه أن ثقته كاملة بالشيوعيين في إدارة المرافق الاقتصادية.

سعدت وزوجتي ذات صيف بالدكتور داود حيدو وزوجته الأستاذة لويزا عيسى يطلان علينا بزيارة مفاجئة إلى المنزل في صافيتا. علمت إذ ذاك أنه صهر المنطقة. زوجته من مشتى الحلو، تلك البلدة الجميلة ذات التاريخ الفكري والسياسي الباذخ.
شيوعي من أقصى الشمال الشرقي اتحد في فكره ومشاعره مع شيوعية تجاور جبل السيدة وشاطئ طرطوس. يا لقوة الداس كابيتال وروعته!
ذات يوم أتانا حديث الناس بأن مكتب تسويق النفط متسلح بالتقنية الجديدة، بالفاكس. سألني متصل من خارج سورية عن رقم الفاكس لدي. أجبته: ليس لدي فاكس. كان الدكتور داود في هذه الأثناء يزورني في مكتبي. سمع اجابتي. بادر فأعطاني رقم الفاكس في مكتبه، فأصبح قيماً على جانب من اهتماماتي.
أعود أحياناً إلى فاكسات قديمة فأجد عليها إحالات الي بتوقيع رئيس مكتب تسويق النفط. في الكتابة شيء من الخلود، ومن الجميل ان اصدقاء الدكتور داود وعائلته اختاروا أن يعتنوا بتراثه الفكري وبتراثهم معه، وكان لي في المولد نصيب.
قبل أشهر من انتقاله إلى رحمة الله ضمتنا أمسية في منزل صديق مشترك. كان كما عهدته على مدى سنوات طويلة، واثقاً بنفسه، يمارس الحوار الذكي والانتقاد الهادىء الشجاع، يشيع في محيطه جواً من الاطمئنان والمحبة الدافئة. إلا أنني لاحظت وهناً أخذ يغزو جسده. لم أرافقه في أيامه الأخيرة إلا أنني واثق من أن الوهن لم يصل إلى داخله، وأن اطمئنان النفس كان سمة لحظات الانتقال. وكل نفس ذائقة الموت، وليكن ذكره مؤبداً!