الأحد، 16 أكتوبر 2016

أَتْقِنْ عِلْم فلسطين! … رسالة مفتوحة إلى الأمين العام الجديد للأمم المتحدة

أهنئك بالمنصب الدولي الأول الذي اختارتك له كل دول العالم بإجماع ليس له نظير.وأحب أن أمارس معك «رياضة» تسعدني ممارستها ولا سيما وقد بلغت الشيخوخة، ألا وهي تقديم النصح. يشجعني على هذه الممارسة اعتيادي عليها مع كل من سبقك من الأمناء العامين بدءاً من الثاني منهم، داغ همرشولد. تضمنت رسالتي إليه وقد نشرتها جريدة سورية على صفحتها الأولى في 28-1-1956 عتاباً مراً ختمته بالقول: إننا «لم نعد نؤمن إلا بالأدوية التي نصنعها بأيدينا».لم نصنع بأيدينا أدويتنا أيها الأمين العام، أصبح حالنا كما تعلم.ليس للعتاب المر مكانه في رسالتي إليك اليوم. وإذا كنت ما أزال آمل أن نصنع أدويتنا بأنفسنا، فإن تفاؤلي بقدرتنا على ذلك أقل مما كانت قبل نيف وستة عقود.لن أحدثك عن سورية. زُرِعَتْ البذرة التي ولدت منها الأزمة السورية قبل ولادة الدولة السورية.زُرِعَتْ حين صدرت رسالة من سياسي مشبع بالأصولية الدينية إلى شخص ذي نفوذ مالي كبير. بهذه الكلمات أشير إلى ما يعرف بوعد بلفور.أولى مهامك أيها الأمين العام أن تقرأ نص الوعد بكلماته القليلة.إذ تقرؤه، سوف تدرك أن ظلماً وقع بالشعب الفلسطيني. كيف يمكن أن يؤسس وطن قومي لليهود في فلسطين من دون تهجير من يسكن في ذلك الوطن؟
ثم كيف يمكن أن يوصف أتباع ديانة معينة بأنهم شعب له حقوق سياسية بوطن؟ عد إلى المذكرات الثلاث التي قدمها مونتاغيو إلى مجلس الوزراء البريطاني لترى البطلان القانوني لحجة بلفور، وحجة وايزمن، العالم الكبير، الذي رأى فيه مونتاغيو أصولياً دينياً.ثم إن الجماعات غير اليهودية الموجودة في فلسطين، تلك الجماعات المُعرَّفَةِ بالنفي من حيث إنها ليست يهودية، هي الشعب الفلسطيني الذي لا يرد لأي شعب آخر ذكر له يضاهي ذكره كثافةً في أدبيات الأمم المتحدة.في صك الانتداب على فلسطين إشارة إلى علاقة تاريخية بين اليهود وفلسطين. وها أنت ترى أيها الأمين العام موقف اليونسكو العلمي الدقيق. خجل صائغو الصك من ذكر الدين. ذكروا التاريخ. وها هو التاريخ يحجم عن إثبات صحة نظريتهم.لن أطيل عليك وأنت في أيامك الأولى.أختم بتأكيد رسالة إليك وجهتها عبر قناة الإخبارية السورية قبل ظهر يوم الجمعة الفائت.أَتْقِنْ عِلْم فلسطين. ثقِفْ نفسك بثقافة فلسطين. علم قضية فلسطين وثقافتها أصل علوم منطقتنا من العالم وثقافاتها.وحين تفعل، ستجد أن من واجبك الشخصي، السعي لكي تقدم المنظمة التي تتولى أمانتها العامة الاعتذار للشعب الفلسطيني عما فعل وعد بلفور بعهد عصبة الأمم، وبالقانون الدولي، وعما فعلته الأمم المتحدة من متابعة السير على الخطا الظالمة التي خطتها العصبة.ولن أتحدث عما بعد الاعتذار. به الابتداء.كما كان لاعتذار بوتا أن يبتدئ به حل أزمة جنوب إفريقيا، كذلك سيكون لاعتذار الأمم المتحدة أثره في الاتجاه نحو حل معضلة أعتى استعمار استيطاني عرفه العالم. والمخزي جداً فيه أن من قام بهذا الاستعمار ليس سيسيل رودس، الذي تقتلع تماثيله من جامعات أنشأها أو «أحسن إليها»، بل عصبة الأمم المتحدة ووريثتها القانونية الأمم المتحدة.أنت من البرتغال. كان لدولتك ذات يوم حلم أن تكون لها «إفريقيا برتغالية». لكنني لا أشك لحظة أنك كنت سترى في «إفريقيا برتغالية» كابوساً قاتلاً.أنت من البرتغال. أنت تفهم، بالإشارة، ما أحدثك عنه.أنهي رسالتي بتهنئتك مجدداً، وأرجو لك التوفيق والنجاح.
رئيس الرابطة السورية للأمم المتحدة