الخميس، 26 نوفمبر 2015

الرئيس ويلسون وجامعة برنستون وبلفور والعنصرية


الرئيس ويلسون وجامعة برنستون وبلفور والعنصرية

الرئيس الامريكي، الذي لولاه لما كان وعد بلفور، يتعرض لاتهامات بالعنصرية ضد السود، ولا مكان الغض من شأنه في الجامعة التي كان أبرز رؤسائها،

فلنتواصل مع متهميه مظهرين عنصريته ضد الفلسطينيين.

                                                                                   الدكتور جورج جبور

 رئيس الرابطة السورية للامم المتحدة

لعب الرئيس الامريكي وودرو ويلسون دورا عالميا محوريا في السنوات الاخيرة من الحرب العالمية الاولى وفي قيام عصبة الامم، رغم انه لم يستطع اقناع الكونغرس الامريكي بالانضمام اليها. انه والد مبدأ عظيم الشأن في القانون الدولي، هو مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها. وبتدخله العسكري عام 1917 في الحرب العالمية الاولى كان الحسم ضد المانيا. ويعتبر كثيرون انه في ذلك العام كانت ولادة ما يوصف بانه " القرن الامريكي".

وفي امر مصير بلاد الشام بعد الانحسار- أو بالأحرى: الانكسار – العثماني عام 1918، كانت له مواقف معلنة تسجل له. فقد رفض الاتفاقيات السرية، وعنوانها الكبير اتفاق سايكس—بيكو. ومن اجل تطبيق مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، اوفد الى دمشق بعثة من شخصين هي بعثة كينغ – كرين، وصلت دمشق في حزيران عام 1919. وللتباحث مع البعثة تشكل المؤتمر السوري العام الذي نعتبره في سورية مجلسنا التشريعي الاول.

هكذا بدا الرئيس ويلسون للسوريين منقذا ومخلصا من آثام الاستعمار. وقد نظر اليه بهذه الصفة كثيرون منهم مفكر وسياسي وطني مرموق هو الدكتور عبد الرحمن الشهبندر. وضمن هذه الاجواء لم يكن غريبا ان تصفه جريدة حلب، التي اسسها الحكم الفيصلي عام 1918، بأنه " ابو البشر الثالث". ومن المفيد هنا اقتطاف فقرة مطولة من افتتاحية العدد 22 من جريدة حلب الصادر في 20 شباط 1920:

" بحث كثير من الناس عن الاسباب التي تؤدي الى دوام السلام وارتفاع الخصام، الا ان الطريقة التي وضع اساسها ويلسون الكبير لتكون دستورا عاما فيما يستقبل من الايام وهي ان تستقل كل امة بالنظر في شؤون نفسها، وان لا يبقى من سلطان غير سلطان العدالة والاخاء العام، هي الكفيلة بابطال الحروب وتخليص الانسانية من ويلاتها. واذا صح ان يسمى نوح ابا البشر الثاني لأنه خلصهم من الطوفان، فويلسون أبوهم الثالث، لأنه خلصهم من طوفان الاستعمار الجائر، الذي قضى على راحة الحكام وسعادة المحكومين" (التشديد مضاف من الكاتب).

لم تكن غبية جريدة الحكم اذ قالت ما سبق في وقت كانت فيه بلاد الشام تنتظر البعثة الامريكية. لا تبرير للتزلف الكبير الذي اظهرته وهو يتضمن اعتبار ويلسون متفوقا في ابوته للبشر على انبياء الله الذين باسمهم اقترنت الديانات السماوية، الا ان "استرضاء" الرئيس الامريكي، كما توهم كاتب الافتتاحية، كان بابا لبلوغ الاهداف الوطنية. علق السوريون على البعثة آمالهم في التحرر والوحدة. وكان اهم ما طالبوا به البعثة الغاء وعد بلفور. ما كانوا يجهلونه هو ان الرئيس الامريكي وافق على وعد بلفور قبل اصداره مبدئه بحق الشعوب في تقرير مصيرها. هنا يثور بالطبع سؤال خطير: متى عرف السوريون خاصة، والعرب والمسلمون عامة، بدور الرئيس ويلسون في عملية اصدار بريطانيا وعد بلفور؟ يتفرع هذا السؤال من سؤال آخر: متى عُرِفَ عالميا دور ويلسون في عملية الاصدار ؟ تلك نقطة هامة لم ابحث فيها، وهي بالتأكيد تستحق البحث. الا ان ما هو ثابت الآن ان بريطانيا ما كانت لتصدر الوعد في التاريخ الذي أصدرته به لولا تلقيها موافقة مسبقة عليه من الرئيس الامريكي.

 ثم ان من الواضح الآن ان تقرير البعثة الامريكية ما كان له اي حظ في ان يأخذه ويلسون بعين الاعتبار، نظرا لارتباطه المسبق بالموافقة على وعد بلفور. ولما كان من المرجح ان ويلسون لم يكن، قبل ايفاده البعثة، على جهل تام بمشاعر السوريين ازاء الوعد، فمن الممكن جدا ان البعثة انما كانت كلها محاولة خداع، هدفها تقديم ويلسون الى السوريين على نحو جميل. وقد نجحت المحاولة كما اظهر المقتطف السابق. بل وقد استمر نجاح المحاولة حتى الخمسينات على الاقل. ففي ما درسته في المرحلة قبل الجامعية في كتب التاريخ السورية المقررة كان مديح ويلسون سافرا، تقابله ادانة سافرة لبلفور، علما انه لولا ويلسون لما كان بلفور، او على الاقل لما كان في التاريخ الذي به صدر. بل واذهب الى مدى ابعد، فأزعم ان صورة ويلسون ما تزال ناصعة في مجمل ما نعرفه عنه، وان من النادر ان نرى مؤلفين عربا يتوقفون في بحثهم حق تقرير المصير عند موقف ويلسون المزري اخلاقيا من حق السوريين في تقرير مصيرهم. ويبقى من الضروري القول بان ما ذهبت اليه يتطلب توثيقا ادق من قبل دارسي التاريخ السوري وتاريخ ويلسون السياسي والشخصي.

وكل ما سبق تاريخ قديم لا مبرر لي بالعودة اليه الآن في جريدة يومية لولا ما قرأته قبل ايام في عدد الثلاثاء 24 تشرين الثاني 2015 من جريدة الانترناشنال نيويورك تايمز.

في الصفحة السابعة من تلك الجريدة مقال مطول عن اتهامات بالعنصرية موجهة الى ويلسون بسبب اقوال فاه بها واعمال قام بها ازاء مواطنيه الامريكيين من اصول افريقية. فمن اقواله انه يتطلع الى" كو كلوكس كلان كبير يخلص البيض من العبء الثقيل الذي تتحمله الحكومات جراء اصوات السود الجهلة". ومن افعاله انه طهر الحكومة الفدرالية من السود، وتراجع عما حققه السود من تقدم في طريق التمتع بالحقوق التي بلغوها نتيجة الحرب الاهلية. ثم ان الرئيس ويلسون اشتهر برئاسته جامعة برنستون. قبل رئاسته لها لم يكن قد دخلها اي طالب اسود. واستمر الحال كذلك أثناء رئاسته الطويلة لها، رغم ان جامعات اخرى توسعت آنذاك في قبول الطلاب السود.

قالت الجريدة ان "حلف العدالة الأسود". وقد شكله الطلاب السود في جامعة برنستون قبل عام، يتابع ايضاح حقيقة المواقف العنصرية للرئيس ويلسون، ويقدم مطالب للجامعة هدفها تقليل التقديس الذي تظهره الجامعة لرئيسها الاسبق. وهكذ فستكون هناك اسئلة توجه الى الطلاب حول آرائهم في ازالة بعض نصب او صور ويلسون من أمكنة بارزة في الجامعة.

أكتفي بهذا التلخيص لمقال غني بالمعلومات عن الرئيس الأمريكي الذي لولاه لما صدر وعد بلفور في التوقيت الذي صدر به، والذي كنا، نحن سكان بلاد الشام، ضحية حملة مخادعة نظمها الرئيس ومؤيدوه فآعلناه ابا ثالثا للبشر.

وأختم بما يهمنا اليوم ومئوية وعد بلفور تقترب. العنصريون ملة واحدة. لا يمكن لامريكي يمارس العنصرية ازاء مواطنيه من أصل افريقي الا ان يكون عنصريا ازاء السوريين، والفلسطينيون منهم. وما يهمنا اليوم ان يجند طلبة همهم العدالة من اجل فلسطين، وفي الطليعة طبعا الطلبة الفلسطينيون، ان يجندوا أنفسهم للتواصل مع الحلف الطلابي البرنستوني، فيكون في القاء الضوء على موقف ويلسون المؤيد لوعد بلفور ما يفيد في وضع لمسات الكمال على وصمه بالعنصرية. ولنتذكر ان رسالة هرتزل الى رودس في عام 1902 كان لها أثرها في اصدار الجمعية العامة للامم المتحدة قرارها رقم 3379 عام 1975 وبموجبه تقرر ان الصهيونية شكل من اشكال العنصرية والتمييز العنصري.

دمشق في 26 – 11 – 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق