الخميس، 7 أبريل 2016

لكي يستحق الرئيس اوباما جائزة نوبل للسلم التي تسلمها عام 2009


لكي يستحق الرئيس اوباما جائزة نوبل للسلم التي تسلمها عام 2009

عليه الاعتذار في 23 ايار 2016 الى اليابانيين عن جريمة الرئيس ترومان، والاعتذار في 2 تشرين الثاني 2016 الى الفلسطينيين عن الاشتراك الجرمي بين الرئيس ويلسون واللورد بلفور

في 11 نيسان 2016 يعقد في هيروشيما اجتماع وزاري يحضره السيد كيري وزير خارجية امريكا. من الثابت ان الوزير الامريكي لن يغادر المدينة اليابانية التي شهدت، في لحظات قليلة، أكبر مقتلة للبشر عرفها التاريخ، الا بعد ان ينحني امام نصب تذكاري يخلد الضحايا. سيكون ارفع مسؤول امريكي قائم بالمسؤولية ينحني امام نصب يتحدث عن جريمة امريكية. قبله قام الرئيس كارتر بالزيارة بعد تقاعده. وحين زرت هيروشيما، في ربيع عام 1999، قرأت ما خطه الرئيس كارتر عن الجريمة -- المأساة. لم يترك في نفسي كبير أثر. لم يرتفع الى اعتذار صريح واضح.

في 23 ايار 2016، قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية الامريكية، يقوم الرئيس اوباما بزيارة اليابان. قبل شهرين بالضبط من موعد الزيارة اخذت تتوالى التسريبات عن اعتزامه الاعتذار. حسنا يفعل اذ ينحني امام النصب التذكاري ويعتذر. في 31 تموز 2013، قبل نحو من ثلاث سنوات، كتبت مقالا ظهر بعد ايام في جريدة البعث السورية وفي جريدة الحياة اللبنانية، قلت فيه ان الرئيس اوباما سيكون جديرا بجائزة نوبل للسلم إذا زار اليابان " لكي يقدم هو شخصيا الى احفاد ضحايا القنبلتين اعتذارا أمريكيا عما فعلتاه في آب 1945". هكذا يبدو وكأن الرئيس الامريكي في طريقه للاستجابة الى نصيحة قدمها له سوري، نصيحة من المرجح انه لم يسمع بها. بل من يدري؟ لعله سمع. ظهر المقال عشية الذكرى السنوية للقنبلة التي ألقيت على هيروشيما، وهو موعد تهتم به امريكا وترصد اهتمام العالم به، وظهر في وقت كان الرئيس اوباما يستعد لتوقيع قراره تعيين ابنة الرئيس كندي سفيرة الى اليابان، وهو قرار حظي بإثارة عالمية. في كل حال، سمع الرئيس اوباما بنصيحتي له، او لم يسمع، ليس هذا الامر ما يهمني هنا. ما يهمني هو ما سيرد في الفقرة التالية. ما يهمني هو اسماعي له نصيحة جديدة موعدها ايام قليلة قبل موعد الانتخابات الرئاسية الامريكية.

ما كان وعد بلفور ليصدر في 2 تشرين الثاني 1917 لولا رسالة تأييد -- شفهية او كتابية – حملها الى اللورد بلفور، وزير خارجية بريطانيا آنذاك، قاض امريكي شهير هو براندايس، مقرب من الرئيس ويلسون، وذكره مخلد بجامعة تحمل اسمه. اقترنت جريمة تهجير الفلسطينيين باسم بلفور ووعده، وهذا امر حق. الا ان ثمة اشتراكا جرميا في الوعد بين الرئيس الامريكي وبين الوزير البريطاني. لم ينل الرئيس ويلسون نصيبه العادل من اللوم العربي والعالمي. بل ان جريمة الرئيس الامريكي تتفوق على جريمة الوزير البريطاني، لان الاول كان صاحب نظرية حق الشعوب في تقرير مصيرها، ولم يكن الثاني من دعاة ذلك الحق. في جريمة الرئيس الامريكي عنصر خداع. دعا الى احترام حق الشعب في تقرير مصيره بنفسه اوائل عام 1918 وحرم الفلسطينيين من هذا الحق قبل ذلك الموعد بأقل من ثلاثة أشهر. هل كان مغفلا؟ كلا بالتأكيد. هل مارس الخداع؟ في الارجح. بل ولعله اندفع خطوات ابعد في ممارسة الخداع علينا، نحن أبناء " البلاد السورية المنفصلة عن الدولة العثمانية" كما عرفنا أنفسنا في نص المادة الثانية من مشروع الدستور السوري الذي وضعه مجلسنا التأسيسي عام 1928. في اوائل عام 1919 أعلن نيته ارسال بعثة الينا تستطلع آراءنا في مستقبلنا. فعل. في صيف 1919. اتتنا بعثة منه، هي تلك المعروفة باسم لجنة كينغ--- كرين، وعلقنا عليها الآمال. بل ان أحد إعلاميينا طلع علينا بنظرية مؤداها ان الرئيس ويلسون "هو الوالد الثالث للبشرية بعد آدم ونوح" (جريدة حلب، ربيع 1919). كان الرئيس ويلسون يعلم لا ريب باننا نرفض وعد بلفور واننا نريد الاستقلال. الا ان رسالته الى بلفور كانت سرية. اعتمد على سرية رسالته ليخدعنا بإرسال بعثته، هو الذي اسس سمعته الاخلاقية على اساس مناهضته للاتفاقيات السرية، وأبرزها في التداول آنذاك هي اتفاقية سايكس – بيكو. وأكمل الرئيس ويلسون خداعه لنا بإهماله تقرير بعثته الذي علقنا عليه الآمال.

يفصح عنوان المقال عن الهدف منه. انه ليس فقط حث الرئيس الامريكي على تقديم اعتذار الى اليابانيين. انه حث له على تقديم اعتذار الى الفلسطينيين ايضا. وهو امر يتطلب جرأة أكبر، والتزاما ادق بالقيم الانسانية العليا. ليس في امريكا من معارضين جادين للاعتذار الياباني رغم ما يقال عن الم عميق مستقر في النفس الامريكية نتيجة الهجوم الصاعق على بيرل هاربور. الا ان اعتذار الرئيس اوباما الى الفلسطينيين، وقبل ايام من الانتخابات الرئاسية، سوف يطيح بحزبه، وربما انه يطيح به مباشرة مانعا اياه من استمراره رئيسا. لماذا اذن أقدم له النصيحة بشأن الوعد المشؤوم الظالم الذي شرد شعبا من ارضه، وانا اعلم صعوبات تنفيذ تلك النصيحة؟

للاعتذار مهابته وحساباته. لن يعيد الحياة الى الضحايا اعتذار يقدم الى احفادهم. الا انه تطهير للنفس، ورفض للباطل، وقطيعة مع الظلم. انه فعل شجاعة في مغالبة الذات. في الشأن الياباني تبدو نتيجة المغالبة محسومة. لا يتطلب الامر جرأة استثنائية. وليس الامر كذلك في الشأن الفلسطيني. انه يتطلب جرأة استثنائية كبرى، وانفتاحا صريحا على اتجاهات صاعدة في الرأي العام الدولي تؤمن بان ظلما كبيرا لحق بالفلسطينيين وما يزال. لكن رجل الدولة هو الذي يرى الى ايام ابعد من ايام الانتخابات الرئاسية. فان فعل، فلن يكون رجل دولة فقط، بل رجل الانسانية. لن يستحق فقط جائزة نوبل للسلم، بل يستحق جائزة سلم من كل انسان ضعيف، ومن كل انسان يعرف الحق ويحرره الحق.
قد يقال: أمن سورية ومن سوري تأتي النصيحة؟ " عليكم انفسكم"، كما في القرآن الكريم. وأقول بلى، منا تأتي النصيحة رغم ما بنا. من بلادنا حمورابي. وفي قيظ صحرائنا ولد حلف الفضول. لنا تاريخنا في حقوق الانسان، ولن نتنازل عن رسالتنا في توجيه النصائح لما فيه خير الانسانية.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق