الخميس، 30 مارس 2017

ليكن 2 تشرين الثاني يوماً عالمياً لمناهضة الاستيطان

بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنصرية، وبرهاناً على جدية الاهتمام العربي والدولي بمئوية وعد بلفور، وتنفيذاً لقرار مجلس الأمن رقم 2334 الصادر في 23 /12/2016:

هل تعلن الأمم المتحدة الثاني من تشرين الثاني من كلّ عام يوماً عالمياً لمناهضة الاستيطان على أراضي الغير؟

في 21 /3 /1960 قامت سلطات جنوب افريقيا العنصرية بإطلاق النار على تظاهرة سلمية في مدينة شاربفيل. قتلت السلطة 72 شخصاً وجرحت حوالي مئتين. بعد المجزرة ببضعة أيام، وبالتحديد في 25 آذار، طلبت 29 دولة افريقية عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن. تمّت الاستجابة بعد اعتراض وتمهّل. عقدت الجلسة في 1/4/ 1960. صدر عن مجلس الأمن قرار يقول بأن الوضع في جنوب افريقيا قد يتطور الى ما يهدد السلم والأمن الدوليين. كذلك طلب القرار من حكومة جنوب أفريقيا الإقلاع عن سياسة الفصل العنصري الابارتايد .

ومما يجدر ذكره بهذا الصدد أنه في مناقشات المجلس اعترضت كل من بريطانيا وفرنسا وايطاليا على صلاحية المجلس في النظر الى موضوع المجزرة، لأنه شأن داخلي. الا ان المجلس قرر صلاحيته لمعالجة الوضع، واتخذ القرار الآنف الذكر. اما رد فعل الدولتين الاوروبيتين الاستعماريتين اللتين تتمتعان بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن، بريطانيا وفرنسا، فكان الاستنكاف عن التصويت.

في عام 1963 انشئت منظمة للدول الافريقية. جعل ميثاق المنظمة الوحدة الافريقية هدفاً لها، كما كرّس الهدف في اسم المنظمة ذاته التي دعيت منظمة الوحدة الأفريقية . وهنا تحسن مقارنة الميثاق الافريقي مع ميثاق جامعة الدول العربية الذي لم يأت على ذكر الوحدة العربية لا في اسم المنظمة ولا في أهدافها، على نحو ما فصلت فيه القول ضمن مقال عن المنظمة الأفريقية نشره العدد الثاني من ملحق البعث الأسبوعي في 19 شباط 1966.

بإنشاء منظمة الوحدة الافريقية زاد التصميم الافريقي على حماية الافريقيين وعلى مناهضة الابارتايد. ومن يستطيع ان يقف في وجه تصميم قارة بأكملها؟ وهكذا ففي 26/10/ 1966 استطاعت الدول الافريقية أن تصدر عن الجمعية العامة للامم المتحدة قراراً يكرس يوم مذبحة شاربفيل يوماً عالمياً للقضاء على التمييز العنصري. وما يزال العالم منذئذ يحتفي بذلك اليوم الذي يعتبر تاريخ إقراره معلماً هاماً من معالم إنهاء نظام الابارتايد ومعه أشكال التمييز العنصري كافة.

بمنسبة يوم القضاء على التمييز العنصري لهذ العام الذي يصادف الذكرى المئوية لصدور وعد بلفور المشؤوم شغلت الذهن بارقة ازداد بريقها لأن القمة العربية الدورية تنعقد بعد أيام، في آخر دورة لها قبل حلول الموعد الدقيق لمئوية الوعد. ولفائدة الذاكرة التاريخية العربية اقول: فلسطين هي التي أطلقت ظاهرة القمة العربية. أطلقتها مرتين. مرة بمبادرة سورية تبنتها مصر فكانت قمة أنشاص عام 1946 للبحث في نتائج فتح باب الهجرة اليهودية الى فلسطين من قبل أميركا وبريطانيا. أما المرة الثانية فكانت بمبادرة من الرئيس جمال عبد الناصر للبحث في تحويل مجرى نهر الأردن. صحيح ان القمم العربية استؤنست ، فلم تعد ذات وزن كبير في ميادين السياسة، إلا انها تبقى ايضاً ظاهرة هامة يصح التفكير فيها ولاسيما حين يتعلق الأمر بتحسين شبه متواضع في كيفية التعامل مع القضية العربية التي أود ان استمر في الاشارة اليها بأنها قضية العرب الاولى.

تحاول البارقة أن تتعلم من درس تحول مجزرة شاربفيل الى يوم عالمي. لدينا قرارات كثيرة تمنع الاستيطان الإسرائيلي في الاراضي التي احتلتها اسرائيل في عام 1967. كثير منها صدر عن الجمعية العامة، وبعضها صدر عن مجلس الأمن. آخر قرارين من مجلس الأمن، واضحي العبارة في هذا الشأن، هما ذلك الذي كان في 1/3/1980، عهد الرئيس كارتر الذي به يفتخر، ورقمه 465. اما الثاني ورقمه 2334 وتاريخ 23/12/ 2017 فكان في آخر عهد الرئيس أوباما الذي لم يجرؤ على تاييده ولا على رفضه، فاستنكف عن التصويت عليه، مجيزاً صدوره. الا ان القرار الاول لم ينفذ، ولا ينتظر أن ينفذ القرار الثاني. بل إن دوائر إعلامية كثيرة تتحدث عن خطط ترسم الآن لكي يكون نصيبه نصيب قرار سابق للأمم المتحدة تعرّض للإلغاء هو قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 3379 الذي وصم الصهيونية بالعنصرية. لا أتوقع نجاح الخطط التي يقال إنها ترسم، ولكن من يدري؟ قبل ثلاثة عقود توقعت الفشل للجهود التي كانت تطالب بإلغاء القرار 3379 ثم تغيرت الخارطة السياسية للمنطقة نتيجة غزو الكويت، فكان ما كان من أمر الحديث عن تنفيذ كامل للقرار 338، ولم ينتج عن هذا التنفيذ، في مرحلته الأولى، إلا الغاء القرار 3379، وتبع ذلك في مراحل تالية اتفاق اوسلو فمعاهدة وادي عربة ففشل لقاء الأسد ـــ كلينتون في آذار 2000، أي بقاء سورية وحيدة في مجال هي فيه محقة، اي في إصرارها على استعادة كاملة للاراضي التي خسرتها نتيجة عدوان حزيران 1967.

اعلان موعد مجزرة شاربفيل يوماً عالمياً للقضاء على التمييز العنصري لم ينه التمييز العنصري. لم يلغِ نظام الابارتايد إلا بعد عقود من إعلان المجزرة يوماً للقضاء على العنصرية. الا ان اعلان ذلك اليوم من آذار يوماً عالمياً شارك، لا ريب، في تنفيذ القرارات الدولية التي طالبت بإنهاء العنصرية. كذلك سيكون اعلان 2/11 من كل عام يوماً لمناهضة الاستيطان على أراضي الغير نوعاً من تنفيذ القرارين 465 و2334، تنفيذاً معنوياً عن طريق تجنيد العالم، كي يتذكّر سنوياً أن ثمة عمليات استيطان اسرائيلية على اراض فلسطينية محتلة يعود حق السيادة عليها الى دولة فلسطين. اعلان ذكرى الوعد المشؤوم يوماً عالمياً لمناهضة الاستيطان على اراضي الغير هو أشبه بحركة بي دي سي تقوم بها حكومات العالم. لا أتخيل أحداً يجادلني في وجاهة البارقة. السؤال الهام هو: ما نصيب هذه البارقة من التحقق؟

نصيبها كبير إن تبنتها الدول العربية، وفي الطليعة منها تلك التي تقيم علاقات مع اسرائيل . تبني الدول العربية لها ينبغي ان يكون أمراً مفروغاً منه، لانه منسجم مع خطة السلام العربية التي تتوسل الدبلوماسية لتنفيذها. ولأن مجلس الأمن تبنى القرار 2334 فإن من الواضح أن الإعلان المنشود لا يمكن ان يعارضه – بالمنطق – مَن قال نعم للقرار. وهو كل أعضاء المجلس ما عدا الولايات المتحدة. وفي التاريخ الأميركي سابقة مفيدة تؤيد المضي في إعلان اليوم المنشود. كانت أميركا آخر دولة في الأمم المتحدة تتخلى عن حكم العنصريين في جنوب افريقيا. لم تثبط عزيمة العالم في تصميمه على ازالة حكم الابارتايد مهادنة أميركا لذلك النظام. كذلك لن تثبط عزيمة العالم في العمل على وقف الاستيطان مهادنة أميركا للاستيطان. المثبط الوحيد للعالم في تصميمه على وقف الاستيطان هو ضعف التصميم العربي على وقفه.

أثار الرئيس محمود عباس مسألة الاهتمام بمئوية وعد بلفور في قمة نواكشوط قبل نحو من تسعة أشهر. تحدّث عن دعاوى قضائية في بريطانيا وربما في غيرها. مثل هذا الأمر مفيد، رغم أنه قد يكون ضئيل النتائج الفعلية. انه مفيد وينبغي ان يكون. مفيد إلى جانبه العمل على إنجاح بارقة إعلان 2/11 يوماً لمناهضة الاستيطان. في الموعد رد فعل قانوني على تصريح اكتسب صفة الوعد الأخلاقي – شبه الديني – وهو في حقيقته إجازة للاستيطان على أراضي الغير.

تلك كانت كلمات عن بارقة شخصية أدعو للنقاش في مبناها وجدواها، وآمل بنتيجة النقاش أن يتم تبنّيها من قبل مؤتمر القمة في عمان المقبل إليها بعد أيام قليلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق