الثلاثاء، 21 مارس 2017

هل تعلن الامم المتحدة 2/11 من كل عام يوما عالميا لمناهضة الاستيطان على أراضي الغير؟

بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنصرية، وبرهانا على جدية الاهتمام العربي والدولي بمئوية وعد بلفور، وتنفيذا لقرار مجلس الأمن رقم 2334 الصادر في 23 /12/2016:

هل تعلن الامم المتحدة 2/11 من كل عام يوما عالميا لمناهضة الاستيطان على أراضي الغير؟

الدكتور جورج جبور

رئيس الرابطة السورية للامم المتحدة، رئيس الجمعية السورية للعلوم السياسية ( قيد التأسيس)

في 21 /3 /1960 قامت سلطات جنوب افريقيا العنصرية بإطلاق النار على تظاهرة سلمية في مدينة شاربفيل. قتلت السلطة 72 شخصا وجرحت حوالي المائتين. بعد المجزرة ببضعة أيام وبالتحديد في 25 آذار، طلبت 29 دولة افريقية عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن. تمت الاستجابة بعد اعتراض وتمهل. عقدت الجلسة في 1/4/ 1960. صدر عن مجلس الأمن قرار يقول يان الوضع في جنوب افريقيا قد يتطور الى ما يهدد السلم والأمن الدوليين. كذلك طلب القرار من حكومة جنوب أفريقيا الاقلاع عن سياسة الفصل العنصري (الابارتايد).

ومما يجدر ذكره بهذا الصدد أنه في مناقشات المجلس اعترضت كل من بريطانيا وفرنسا وايطاليا على صلاحية المجلس في النظر الى موضوع المجزرة لانه شأن داخلي. الا ان المجلس قرر صلاحيته لمعالجة الوضع، واتخذ القرار آنف الذكر. اما رد فعل الدولتين الاوروبيتين الاستعماريتين اللتين تتمتعان بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن، بريطاني وفرنسا، فكان الاستنكاف عن التصويت.

في عام 1963 انشئت منظمة للدول الافريقية. جعل ميثاق المنظمة الوحدة الافريقية هدفا لها، كما كرس الهدف في ذات اسم المنظمة التي دعيت " منظمة الوحدة الأفريقية". وهنا تحسن مقارنة الميثاق الافريقي مع ميثاق جامعة الدول العربية الذي لم يأت على ذكر الوحدة العربية لا في اسم المنظمة ولا في أهدافها، على نحو ما فصلت فيه القول ضمن مقال عن المنظمة الافريقية نشره العدد الثاني من ملحق البعث الاسبوعي في 19 شباط 1966.

بانشاء منظمة الوحدة الافريقية زاد التصميم الافريقي على حماية الافريقيين وعلى مناهضة الابارتايد. ومن يستطيع ان يقف في وجه تصميم قارة باكملها؟ وهكذا ففي 26/10/ 1966 استطاعت الدول الافريقية ان تصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يكرس يوم مذبحة شاربفيل يوما عالميا للقضاء على التمييز العنصري. وما يزال العالم منذئذ يحتفي بذلك اليوم الذي يعتير تاريخ اقراره معلما هاما من معالم انهاء نظام الابارتايد ومعه كافة اشكال التمييز العنصري.

بمنسبة يوم القضاء على التمييز العنصري لهذ العام الذي يصادف الذكرى المئوية لصدور وعد بلفور المشؤوم شغلت الذهن بارقة ازداد بريقها لان القمة العربية الدورية تنعقد بعد أيام، في آخر دورة لها قبل حلول الموعد الدقيق لمئوية الوعد. ولفائدة الذاكرة التاريخية العربية اقول: فلسطين هي التي اطلقت ظاهرة القمة العربية. أطلقتها مرتين. مرة بمبادرة سورية تبنتها مصر فكانت قمة انشاص عام 1946 للبحث في نتائج فتح باب الهجرة اليهودية الى فلسطين من قبل امريكا وبريطانيا. أما المرة الثانية فكانت بمبادرة من الرئيس جمال عبد الناصر للبحث في تحويل مجرى نهر الاردن. صحيح ان القمم العربية "استؤنست"، فلم تعد ذات وزن كبير في ميادين السياسة، الا انها تبقى ايضا ظاهرة هامة يصح التفكير فيها ولاسيما حين يتعلق الامر بتحسين شبه متواضع في كيفية التعامل مع القضية العربية التي اود ان استمر في الاشارة اليها بانها قضية العرب الاولى.

تحاول البارقة ان تتعلم من درس تحول مجزرة شاربفيل الى يوم عالمي. لدينا قرارات كثيرة تمنع الاستيطان الاسرائيلي في الاراضي التي احتلتها اسرائيل في عام 1967. كثيو منها صدر ن الجمعية العامة، وبعضها صدر عن مجلس الأمن. آخر قرارين من مجلس الأمن، واضحي العبارة في هذا الشأن، هما ذلك الذي كان في 1/3/1980، عهد الرئيس كارتر الذي به يفتخر، ورقمه 465. اما الثاني ورقمه 2334 وتاريخ 23/12/ 2017 فكان في آخر عهد الرئيس أوباما الذي لم يجرؤ على تاييده ولا على رفضه فاستنكف عن التصويت عليه ن مجيزا صدوره. الا ان القرار الاول لم ينفذ، ولا ينتظر ان ينفذ القرار الثاني. بل ان دوائر اعلامية كثيرة تتحدث عن خطط ترسم الآن لكي يكون نصيبه نصيب قرار سابق للامم المتحدة تعرض للالغاء هو قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 3379 الذي وصم الصهيونية بالعنصرية. لا أتوقع نجاح الخطط التي يقال انها ترسم، ولكن من يدري؟ قبل ثلاثة عقود توقعت الفشل للجهود التي كانت تطالب بالغاء القرار 3379 ثم تغيرت الخارطة السياسية للمنطقة نتيجة غزو الكويت، فكان ما كان من أمر الحديث عن تنفيذ كامل للقرار 338، ولم ينتج عن هذا التنفيذ، في مرحلته الاولى، الا الغاء القرار 3379، وتبع ذلك في مراحل تالية اتفاق اوسلو فمعاهدة وادي عربة ففشل لقاء الاسد—كلينتون في آذار 2000، اي بقاء سورية وحيدة في مجال هي فيه محقة، اي في اصرارها على استعادة كاملة للاراضي التي خسرتها نتيجة عدوان حزيران 1967.

اعلان موعد مجزرة شاربفيل يوما عالميا للقضاء على التمييز العنصري لم ينه التمييز العنصري. لم يلغى نظام الابارتايد الا بعد عقود من اعلان المجزرة يوما للقضاء على العنصرية. الا ان اعلان ذلك اليوم من آذار يوما عالميا شارك، لا ريب، في تنفيذ القرارات الدولية التي طالبت بانهاء العنصرية. كذلك سيكون اعلان 2/11 من كل عام يوما لمناهضة الاستيطان على اراضي الغير نوعا من تنفيذ القرارين 465 و2334 تنفيذا معنويا عن طريق تجنيد العالم لكي يتذكر سنويا ان ثمة عمليات استيطان اسرائيلية على اراض فلسطينية محتلة يعود حق السيادة عليها الى دولة فلسطين. اعلان ذكرى الوعد المشؤوم يوما عالميا لمناهضة الاستيطان على اراضي الغير هو أشبه بحركة بي دي سي تقوم بها حكومات العالم. لا أتخيل احدا يجدلني في وجاهة البارقة. السؤال الهام هو: ما نصيب هذه البارقة من التحقق؟

نصيبها كبير ان تبنتها الدول العربية وفي الطليعة منها تلك التي تقيم علاقات مع اسرائيل. تبني الدول العربية لها ينبغي ان يكون أمرا مفروغا منه لانه منسجم مع خطة السلام العربية التي تتوسل الدبلوماسية لتنفيذها. ولأن مجلس الأمن تبنى القرار 2334 فان من الواضح ان الاعلان المنشود لا يمكن ان يعارضه --- بالمنطق --- من قال نعم للقرار، وهو كل أعضاء المجلس ما عدا الولايات المتحدة. وفي التاريخ الامريكي سابقة مفيدة تؤيد المضي في اعلان اليوم المنشود. كانت أمريكا آخر دولة في الأمم المتحدة تتخلى عن حكم العنصريين في جنوب افريقيا. لم تثبط عزيمة العالم في تصميمه على ازالة حكم الابارتايد مهادنة امريكا لذلك النظام. كذلك لن تثبط عزيمة العالم في العمل على وقف الاستيطان مهادنة أمريكا للاستيطان. المثبط الوحيد للعالم في تصميمه على وقف الاستيطان هو ضعف التصميم العربي على وقفه.

أثار الرئيس محمود عباس مسالة الاهتمام بمئوية وعد بلفور في قمة نواكشوط قبل نحو من تسعة أشهر. تحدث عن دعاوى قضائية في بريطانيا وربما في غيرها. مثل هذا الامر مفيد رغم انه قد يكون ضئيل النتائج الفعلية. انه مفيد وينبغي ان يكون. مفيد الى جانبه العمل على انجاح بارقة اعلان 2/11 يوما لمناهضة الاستيطان. في الموعد رد فعل قانوني على تصريح اكتسب صفة الوعد الاخلاقي ---شيه الديني --- وهو في حقيقته اجازة للاستيطان على اراضي الغير.

تلك كانت كلمات عن بارقة شخصية أدعو للنقاش في مبناها وجدواها، وامل بنتيجة النقاش ان يتم تبنيها من قبل مؤتمر القمة في عمان القادم اليها بعد ايام قليلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق